أول فنَّان عربي ينال عضوية أكاديمية سان فرناندو
محمد صبري: أشعر بالرهبة وأنا أرسم الآثار الإسلامية
من المصدر © لوحة للفنان محمد صبري استخدم فيها خامات مختلفة |
تاريخ النشر: الأربعاء 03 أغسطس 2011
مجدي عثمان
خلف مسجد السلطان أبي العلاء بحي بولاق بالقاهرة الذي أنشئ عام 1490 ودفن فيه الولي صاحب الكرامات “الحسين أبو علي” الملقب بالسلطان أبي العلا نشأ الفنّان التشكيلي محمد صبري مرتبطاً بصوت أذان الفجر، وصوت المريدين في حلقات الذكر.
ويقول صبري: إن اسم “بولاق” عرف منذ القرن السابع الهجري، الـ 13 الميلادي في عصر السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، الذي أمر بإعمار بولاق بالبناء، فاقبل عليها أهل القاهرة من الأمراء والجند والكتاب والتجار، بعد أن صارت ميناء القاهرة النهري ترسو عنده السفن وتبنى أيضاً، حتى افتتح الخط البري بين القاهرة والإسكندرية في منتصف القرن الـ 19.
وأشار صبري إلى أنه لم يدرس الآثار الإسلامية دراسة تاريخية وإنما درسها جمالياً، فقد كان مبهوراً بالعمارة الإسلامية، حتى أنه كان في بعض الأحيان يقضي يوماً كاملاً بعد أن يقطع المسافة من حي بولاق إلى حي الحسين والغورية من دون أن يضع خطاً واحداً على لوحته، حيث كانت هناك صعوبة كبيرة في رسمه لأي أثر إسلامي احتراماً وتبجيلاً لهيبة وجلال تلك العمارة، فأصبحت الآثار الإسلامية موضوعه وعشقه الأول، يتأمل ويستوعب جمالياتها بمرور الوقت، وتسجيلها بالرسم يجعله يرتعد أحياناً، ونفس الشعور انتابه لدى رسمه للآثار الإسلامية في الأندلس.
بدأ صبري دراسته الابتدائية في مدرسة عباس بالسبتية أواسط العشرينيات، والتي تأسست سنة 1890، وكانت حكومية مجانية، ولاجتهاده كانت تكافئه المدرسة بكتب أجنبية ملونة، كان ينقلها حرفياً بألوانها وخطوطها، فتعلق رسومه على جدران المدرسة، وينضم إلى جماعة الرسم، ويتوج هذا الجهد بالالتحاق بمدرسة الفنون التطبيقية في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي في قسم الزخرفة، ثم ينضم للدراسة بالقسم الحر في كلية الفنون الجميلة بدعوة من الفنَّان أحمد صبري.
وقال صبري: إنه لم يرسم مناظر القاهرة القديمة إلا فترة التحاقه بمراسم الأقصر لمدة عامين، بعد فوزه في مسابقة القسم الحر بعد 5 سنوات دراسة وكان موضوعها “النحاسين”، وكان يقضي الشتاء في الأقصر والصيف في خوش قدم بالقاهرة الفاطمية، فكان يمر على الأثر أكثر من مرة، ويتابع الضوء، الذي يجذبه للمكان فيقع عليه اختياره لرسمه، حيث أن الضوء يحدد ويجسد العمل، وهو الذي يكشف الشكل واللون ويظهر شخصية المكان وملامحه بعد أن تسقط عليه الشمس، وعلى عكس المتعارف عليه في تصوير فن المنظر كان يبدأ بتحديد ورسم مناطق الضوء أو النور في اللوحة، ذلك المتغير السريع، وبذلك يتمكن من اقتناص اللحظة ثم يكمل المشهد بإضافة الظلال، والوصول إلى الحلول التشكيلية للأثر الذي يجب أن ينقل بأمانة دون اجتهادات.
السفر لمدريد
وفي أوائل الخمسينيات أنشأ د. طه حسين وزير المعارف آنذاك معهدا للدراسات الإسلامية بمدريد وأوفده في بعثة دراسية كعضو فيه، فالتحق صبري بكلية سان فرناندو، حيث درس التصوير والنحت، حتى حصل على شهادة الأستاذية وهي أعلى شهادة فنية في إسبانيا.
ويقول صبري: إنه لدى عودته الثانية إلى إسبانيا حضر إلى المعهد د. نجيب هاشم وزير المعارف وقتها، فطلب منه السماح برسم الآثار الإسلامية في الأندلس، وعندما أرسل القرار الوزاري ذهب إلى الأندلس ورسم جميع المناطق والآثار الموجودة هناك في قرطبة وأشبيلية وملقاً وغرناطة، وأنتج أكثر من 30 لوحة، وكان أول فنَّان مصري يسجل تلك الآثار، وعند عودته عرضها على مدير المعهد الدكتور حسين مؤنس، الذي أشار عليه بإقامة معرض لتلك اللوحات يجوب أوروبا، فبدأ من قاعة جويا إحدى أكبر قاعات العرض في مدريد، ثم سافر المعرض إلى لندن، فأشاد به أحد النقاد الإنجليز ولقبه بـ “أستاذ الباستيل”، وعند نقل المعرض إلى روما تصادف أن افتتحه د. نجيب هاشم صاحب التصريح بالرسم في الأندلس حينما كان وزيراً، حيث أصبح سفيراً لمصر في روما فيما بعد.
وفي عام 1967، تلقى صبري دعوة رسمية من إسبانيا لإقامة معرض خاص ضمن فاعليات صالون الخريف الثامن والثلاثين في مدريد، وهو معرض كبير يقام في حديقة “روتيرو” بقصر فلاسكيز، وقد كان السفر وقتها متوقفاً نظراً لما مر بمصر آنذاك، وحينما علم المسؤولون في مصر بأنها دعوة رسمية صدر قرار جمهوري بالسفر، ومثل صبري بلده وعرض أعماله في قاعة الشرف، وافتتح المعرض ملك إسبانيا وسفير مصر في مدريد، ورشحه نجاحه في المعرض ليصبح عضواً مدى الحياة في أكاديمية سان فرناندو التي تأسست في عام 1744 بمرسوم ملكي من الملك فيليب الخامس، وتشرف الأكاديمية على الحركة الفنية والتراث في إسبانيا، وبذلك يكون أول عربي يحصل على هذه العضوية، وذلك بعد جلسة سرية يرشح فيها 3 من الأعضاء العاملين العضو المراد تعيينه كالنظام المتبع في الأكاديمية، وقد كان الثلاثة هم خوسيه كامون اثنار أستاذ تاريخ الفن بجامعة مدريد ومدير متحف لازارو جلبيرانا وخوسيه اجيار جوسيه من كبار المصورين في إسبانيا، وانريكي سيجورا اجلسياس الفنان المتخصص في فن البورتريه، كما شهد عام 1973 إقامة معرض صبري الثالث في إسبانيا في مدينة فالنسيا بعد معرضيه في مدينتى سجوبيا وبني دورم.
وأشار صبري إلى دراسته للترميم في كلية سان فرناندو بمنحة من الحكومة الإسبانية عام 1976، وفي الوقت نفسه انتظم في كلية الآداب بجامعة مدريد وتخصص في الدراسات الإسبانية، كما درس الحفر أيضاً في إحدى مدارس الفن الإسبانية، وتلك التقنيات المختلفة أفادته في رسم المناظر التي لا تخضع لقوانين معينة مثل الآثار الإسلامية.
معايشة المكان
يرى الفنان محمد صبري أن العمارة القديمة في القرى الإسبانية التي رسمها تشابه بعض أماكننا الأثرية في القاهرة والمغرب، وانه يعايش المكان معايشة كاملة ويتأقلم معه، ويترجمه بمشاعره وأحاسيسه حتى ينتهي إلى العمل الذي يحمل مناخ وبيئة المكان شكلاً وروحاً، وهو ما جعل النقاد في إسبانيا يقولون إنه يرسم إسبانيا كما لو كان أحد أهلها، كما أن الإسبان اهتموا كثيراً بالعمارة الإسلامية في الأندلس وقاموا على ترميمها وصيانتها، بعد أن تهدمت أجزاؤها من جراء الحرب الأهلية.