الأحد، 14 أغسطس 2011

جريدة الراية - تل أم عامر.. أقدم موقع أثري بفلسطين

يقع بمخيم النصيرات بغزة
دير القديس هيلاريون لامثيل له من حيث المساحة والتصميم
وزارة السياحة ترممه بدعم فرنسي وبالتعاون مع اليونسكو

فلسطين - عبدالله عمر:
يحتضن مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة أقدم وأعرق وأكبر موقع أثري في قطاع غزة وربما في فلسطين، ليروي هذا المكان قصة العديد من الحضارات التي غرست جذورها في الأرض لتبقى شاهدةً على الحقب الزمنية المختلفة التي مرت بهذا المكان.

يرجع بناء "دير القديس هيلاريون" المسمى بتل أم عامر إلى عام 329م زمن القديس هيلاريون الذي عاد إلى قريته " طباثا" - 7كيلو مترات جنوب غزة - بعد أن تعلم الرهبنة على يد القديس "أنتوني" في مصر.

حيث يعتبر دير القديس هيلاريون من أكبر الأديرة الأثرية في فلسطين التي لم يعثر على مثلها من حيث المساحة والتصميم إضافة إلى احتواء الدير على بقايا رفات القديس هيلاريون التي لا تزال موجودة حتى اليوم داخل تابوت من الرخام.

تصف نبيلة مليحة المختصة بالآثار بوزارة السياحة والآثار هذا الدير بالقول: يقع دير القديس هيلاريون على تل مرتفع من الرمال على بعد 15 كم جنوب غرب مدينة غزة وعلى بعد 3 كم غرب مخيم النصيرات، ويبتعد عن ساحل البحر 500 م تقريباً وترتفع بنحو 22 م عن سطح البحر.

وتضيف أن هذا الدير يعود إلى زمن القديس هيلاريون المشهور في النصوص القديمة عندما رجع من مصر بعد أن تعلم الرهبنة على يد القديس أنتوني المؤسس الحقيقي للرهبنة في مصر حيث قام بوضع صومعته في موقع الدير – خربة أم عامر – ليتنسك فيه.

وتتابع حديثها: خلال ثلاثين عاماً زادت شعبية هيلاريون فأصبح يحيط به 400شماس – رتبة في الكنيسة – وهم من بدؤوا بتنظيم بعض العمائر البسيطة والخفيفة حول الكنيسة ومن ذلك الوقت تطور الموقع بعد ذلك ليصبح ديراً كبيراً يتكون من مجموعات معمارية تحتوي على مجموعة من القاعات والممرات والمرافق والغرف التي بلغ عددها 245 وتعود أدوار بنائها إلى مراحل زمنية عدة تبدأ من منتصف القرن الرابع الميلادي حتى القرن الثامن الميلادي.

وفي عام 326م وصل الإمبراطور جوليان المرتد إلى العرش الروماني الذي كان يحكم بلاد الشام بما فيها فلسطين فقام بتدمير الدير وإجبار هيلاريون على الهرب إلى قبرص حيث توفي هناك سنة 371م وبعد ذلك قام تلاميذه بنقل جثمانه إلى غزة ودفنه في المكان نفسه الذي بنى فيه صومعته الأولى.

وتشير مليحة إلى استمرار وجود الدير حتى القرن الثاني الهجري ودل على ذلك وجود قطع نقدية إسلامية تم العثور عليها بالموقع ومنها فلس يعود للخليفة عمر بن عبد العزيز 99م /101هـ .

محتويات الدير
وتوضح أن الدير يتكون من مجموعات معمارية عدة محاطة بسور خارجي من الحجر المهندم المسنود بالدعامات الحجرية، مشيرة إلى أن هذا الدير ينقسم إلى مجموعات معمارية عديدة الجزء المعماري الأول ويشمل المنطقة الخدمية الواقعة في الجزء الجنوبي الغربي وهي غرف خاصة برجال الدين المقيمين في الدير حيث تغطى أرضية هذه الغرف بلوحات فنية رائعة من الفسيفساء .

أما الجزء المعماري الثاني فهو كنسية ذات نظام بازلتي حيث يتكون من ثلاثة أروقة - ممرات – أوسعها الرواق الأوسط وتفصل بينهما أعمدة رخامية كورنثية الطراز حيث ينفصل الجزء المعماري الأول عن الثاني بطريق طويل به درج خاص بدخول وخروج الرهبان للكنيسة.

وتتابع مليحة حديثها حول الوصف المعماري للدير فتقول: "وهناك الديماس وهو الجزء المعماري الثالث حيث يمكن الوصول إليه من خلال درج إلا أن معظم درجاته قد تكسر وهذا الدرج يؤدي إلى مبنى تحت الأرض على شكل صليب تظهر فيه الأعمدة الرخامية المكونة للدير ، والتي تهاوت من البناء بسبب عوامل الزمن والهزات الأرضية التي تعرض لها قطاع غزة منوهة إلى وجود بقايا التابوت الخاص بالقديس هيلاريون في هذا الجزء.

وبخصوص الجزء المعماري الرابع فتضيف هذا الجزء عبارة عن حوض التعميد والصالات المؤدية له ويغطي أرضية إحداها فسيفساء تحمل منظر زهرية يخرج منها أغصان ملتفة تحمل عناقيد العنب والأوراق وداخل هذه الأغصان صور لحيوانات وطيور لتعبر عن البيئة المحيطة والموجودة في ذلك الوقت.

أما الجزء المعماري الخامس فهو منطقة الحمامات وتبين الآثار الباقية وجود غرفة للماء الساخن والبارد وغرف الانتظار إضافة إلى فتحات لدخول وخروج الماء وبيت النار أسفل تلك الغرف ، إلى جانب وجود شبكة واسعة من قنوات المياه المصنوعة من الفخار والرصاص وشبكة وقنوات صرف صحي تؤدي إلى خارج الدير، كما تدل الآثار المتبقية وجود بئر ووجود معصرة خاصة بالدير.

عمليات ترميم واسعة
يذكر أن وزارة السياحة والآثار تقوم حاليا بعمليات ترميم لهذا الموقع الأثري بدعم من القنصلية الفرنسية وبالتعاون مع منظمة اليونسكو وبالتنسيق مع مركز إيوان التابع لكلية الهندسة بالجامعة الإسلامية بغزة بهدف الوصول إلى شكل جديد للدير يجذب السياح في الداخل والخارج.

حيث تؤكد مليحة أن آخر عملية للتنقيب في هذا الموقع تمت منذ التسعينيات بين السلطة الفلسطينية وبعض البعثات الأجنبية إلا أن هذه العمليات توقفت بسبب انتفاضة الأقصى في عام 2000.

وتشير إلى أن عمليات التأهيل والترميم القائمة الآن ستتم على عدة مراحل مهمة الأولى هي عملية التخلص من الأعشاب والرمال وتنظيف المكان ومن ثم تبدأ المرحلة الثانية بترميم أرضيات الفسيفساء وأعمدة الرخام الموجودة في الموقع والثالثة تتمثل بترميم باقي أجزاء الموقع وبناء جسور داخلية وسور خارجي محيط بالموقع لحمايته ومن ثم افتتاحه لاستقبال الزوار.

عمليات سرقة ونهب
وتتابع: إن أكثر ما يؤلم النفس هو تعرض الدير لعمليات سرقة واسعة من قبل الاحتلال الإسرائيلي وأخذ بعض محتوياته إلى داخل الكيان وذلك حسب شهادة بعض السكان الموجودين بالقرب من الدير خلال فترة احتلاله لقطاع غزة.

عقبات وصعوبات
أشارت مليحة إلى أن مشروع الترميم والتأهيل لدير هيلاريون يواجه العديد من العقبات والصعوبات تتمثل في قلة المواد والأدوات اللازمة للقيام بعمليات الترميم وإعادة التأهيل الخاصة به والناتجة عن الحصار الإسرائيلي الجائر الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على غزة إضافة إلى ارتفاع التكاليف المالية التي تحتاجها عمليات الترميم إضافة إلى رفض الجهات الخارجية التعامل مع الحكومة في غزة بسبب الظروف السياسية الراهنة في قطاع غزة.

حماية القطاع الأثري
ودعت مليحة جميع المؤسسات والمنظمات الدولية ومنظمة اليونسكو العالمية وجميع المهتمين بالقطاع الأثري للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لفتح المعابر الفلسطينية وضرورة إدخال المواد اللازمة لإعادة ترميم وتأهيل المواقع الأثرية للحفاظ على إرث وحضارة التاريخ الإنساني من الضياع حتى تصبح معلماً حضارياً ومزاراً لجميع المواطنين والمهتمين بالقطاع الأثري وما لذلك من أثر واسع وكبير على النهوض بالسياحة الداخلية والخارجية وبالتالي تنشيط الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام.

جريدة الراية - أحدث الأخبار من قطر والخليج والعالم يوميا - صفحات منوعة

أرشيف المدونة

المسجد النبوي الشريف - جولة إفتراضية ثلاثية الأبعاد

About This Blog


Labels