نفحات وبركات القرآن في دار الكتب
- تحقيق: نهلة النمر
- منذ 21 ساعة 45 دقيقة
في نفس العام برئاسة علي باشا مبارك ناظر المعارف آنذاك. تضم الدار مجموعات نادرة لأهم المخطوطات الشرقية في العالم، وتتكون هذه المجموعات من الرصيد العام للدار الذي تم جمعه من المدارس والمساجد والزوايا، أضيفت إلي هذا الرصيد بعد ذلك مجموعات مهمة من المخطوطات التي وقفها أصحابها علي الدار والتي تجاوز تاريخها الألف عام، كل هذا جعل الدار قبلة لكل المثقفين والباحثين الذين لا إجابات لأسئلتهم إلا هناك، حيث تضم الدار كثيرًا من القاعات الحافلة بالمخطوطات المبكرة منها، قاعة الاطلاع.. قاعة المراجع.. قاعة الدوريات.. قاعة المطبوعات النادرة.. قاعة الفنون.. قاعة التسجيلات.. قاعة المخطوطات.
وتعد درة قاعات دار الكتب قاعة المخطوطات الإسلامية النادرة من أهم قاعات التاريخ والفنون الإسلامية الموجودة في العالمين العربي والإسلامي والتي تضم مجموعة من أندر وأجمل المصاحف يرجع بعضها إلي القرن الأول الهجري. وقت أن أمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه بجمع القرآن الكريم عن مشورة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد موقعة اليمامة والتي استشهد فيها كثير من الحفظة والقُراء فأمر أبو بكر زيد بن ثابت بجمع القرآن الذي كان مازال متفرقًا في الصدور والألواح ونحوها من وسائل الكتابة في هذا الوقت. وكان لدار الكتب المصرية نصيب جميل من هذه النسخ العتيقة لمصاحف كتبت عند منقلب القرن الأول الهجري. وفي العصر العباسي منها ذلك المنسوب إلي سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه والذي انتقل إلي الدار من مسجد عمرو بن العاص وكان بين يدي عثمان وقت استشهاده وقد تناثرت علي جنبات المصحف قطرات من دمائه الشريفة. ويوجد مصحف آخر بالقاعة مكتوب بخط كوفي دون في آخره أنه بخط أبي سعيد الحسن البصري سنة 77 هـ.
في ناحية من نواحي القاعة هناك مصحف ذهبي خطه أحمد القرة حصاري ويرجع إلي سنة 449هـ، 7351م وهو مدون بالحبر وعلي الأحرف مادة التذهيب وهو مستطيل الشكل ويبلغ طوله 74سم وعرضه 13 سم ويضم 21 ورقة في كل ورقة 31 سطرًا ونشأة كتابة هذا المصحف ترجع لمدينة اسطنبول أيام الدولة العثمانية ودُونت عليه بعض البيانات التي أكدت أن العصر العثماني هو عصر ازدهار كتابة المصاحف والإبداع في شكلها، حيث انتشرت فيه كتابة بعض سور القرآن منفردة في مجلدات صغيرة مزينة ومذهبة ومن أكثر هذه السور كتابة سورة «الأنعام» التي كتبها العديد من الخطاطين المشهورين، وفي هذا المصحف جمع حصاري الخطاط بين ثلاثة أنواع من الخطوط في الصفحة الواحدة، فكتب السطر الأول بخط الحلبي يليه أربعة أسطر بخط النسخ يتوسطها سطر بخط المحقق، وهناك مصحف آخر ضخم عبارة عن مجلد يضم 601 ورقات وكل ورقة تضم 71 سطرًا، وهو بالخط الكوفي وترجع نشأته إلي الشرق الأدني. وهذا المخطوط يبلغ طوله 37سم وعرضه 74سم ولم يعرف اسم الخطاط الذي كتبه وهذا المصحف الشريف يعد من أهم وأقدم النسخ الموجودة بدار الكتب المصرية وقد كتب بالمداد الأسود ووضعت النقاط بالمداد الأحمر، أما علامات نهاية الآيات فقد وضعت باللونين الأزرق والذهبي، وعن مكان نسخ هذا المصحف فليس بالأمر السهل لأن الخط الكوفي نشأ في الكوفة بالعراق وتطور في مكة والمدينة ثم انتشر انتشارًا واسعاً علي مستوي العالم الإسلامي ولكن تري بعض الدراسات أن هذا المخطوط من خلال خامته والخط المكتوب به يمكننا إرجاع تاريخه إلي القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي تقريباً. أما دولة إيران فقد كان لها نصيب مهم في نشأة هذه المخطوطات، فهناك مخطوط إيراني المنشأ يرجع إلي الدولة الصفوية ومدون به آية من سورة الفتح وسورة الفاتحة، ورغم قلة عدد صفحات المخطوط، حيث بلغ 9 ورقات فقط بكل ورقة 7 أسطر فقد تميز بألوانه الجميلة والتذهيب علي الجوانب. المخطوط دونه شاه محمود النيسابوري بالحبر وطوله حوالي 03سم وعرضه 02سم. علي أحد جوانب القاعة ربما يلف نظرك مخطوط آخر يضم 33 ورقة وفي كل ورقة 84 سطرًا.
ورغم صغر حجم المخطوط أيضاً والذي يبلغ طوله 82سم وعرضه 81 سم فهو ينفرد بطريقة كتابته، إذ يشغل كل جزء من القرآن فيه صفحتين متقابلتين عدا الجزءين الأول والثلاثين فقد امتد كل منهما لأكثر من صفحتين، وزينت الصفحة الافتتاحية حول الفاتحة وبداية سورة البقرة بوحدات ورسوم دقيقة تناسب خط النص وكتبت أسماء بخط الرقعة وبالمداد الأحمر علي خلفية مذهبة ومزينة بالزخارف النباتية، المخطوط أيضاً إيراني المنشأ ويرجع للدولة القاجارية سنة 5721هـ/ 8581م. ورأينا مصحفًا كاملاً في مجلد واحد يشمل 712 ورقة وبكل ورقة 31 سطرًا ويبلغ طوله 47سم وعرضه 15 سم وكتبه الخطاط علي بن محمد الأشرفي ويرجع للدولة المملوكية في القاهرة عام 477هـ - 2731م تقريباً وقد كتب النص القرآن بالخط المحقق وأسماء السور بالخط الكوفي. ربما لم تكن صدفة أن تطل دار الكتب المصرية علي شاطئ النيل كهرم رابع تؤرخ لتطور حضارة صنعها هذا النيل وتهبنا سجلاً مفصلاً عن أخبار مصر في كل عقودها مثل قلعة ثقافية تشمل كل ما أبدعه الإنسان المصري من نتاج فكري وحضاري وتحتضن أجل وأعظم ما وهبه الله للبشرية آيات القرآن الكريم وتنتصر للآية الكريمة «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون».