السبت، 28 أغسطس 2010

جريدة الدستور || السجاد الإسلامي:روائع فنية بهرت الدنيا


السجاد الإسلامي:روائع فنية بهرت الدنيا

غازي انعيم





تعتبر صناعة السجاد الإسلامي ، الذي يحكي عظمة هذا الفن وروعته ، من أهم مميزات الفنون الجميلة الإسلامية ، حيث عبرت صناعته عن خلفية جمالية وفلسفية واضحة ، جعلت للسجاد ، في كل أقطار العالم الإسلامي ، شخصية ذات حضارة جديدة ، هي الحضارة الإسلامية ، كما جعلت له خصائص يتصف بها ، هذا الفن الذي قدّم مجموعة متنوعة من الأشكال والتصاميم الفنية المرتكزة على عناصر الزخرفة الإسلامية من نباتية وحيوانية وهندسية وكتابية ، بالإضافة إلى الآدمية ، ما جعل له فعل السحر في الاستحواذ على إعجاب الناس والحكام بالسجاد ، وجعلهم يتباهون في صناعتهم له أمام الأمم الأخرى وفي حيازتهم له.. حتى إنه اعتبر من أدوات الترف النفيسة التي لا يحلم في امتلاكها إلا الأغنياء.

هذا الفن الذي بدأت صناعته تزدهر منذ القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) ، أقام له الخلفاء "دور الطراز" ، في الشام ومصر وبلاد الأناضول وإيران والهند والقوقاز وأرمينيا ، انتهاء بالمغرب والأندلس ، واستحدثوا وظيفة باسم "صاحب الطراز".

بالإضافة إلى ما ذكر ، فقد أولى الخلفاء والحكام الدعم والتشجيع والرعاية للفنانين ، ووفروا المواد والأدوات اللازمة لهم لصناعة السجاد الذي بدأ إنتاجه في العصر المملوكي بمصر في الربع الأخير من القرن الخامس عشر. ومن مميزاته أن له صوفاً لامعاً ، معقوداً على سداة من الحرير ، كما امتاز بوجود اللون الأحمر والأخضر الناصع واللون الأزرق ، بالإضافة إلى وجود زخارف هندسية ونباتية منثورة بدقة على الأرضية حول الجامة (الجامة شكل زخرفي نباتي أو هندسي) ، في الوسط ، وتشهد على مهارة وذوق رفيع.

أما السجاد الدمشقي فترتكز زخارفه المستوحاة من الزخرفة المملوكية على الفروع النباتية والمراوح النخلية ، وأشكال الثريات وزهور القرنفل والسوسن ، وأوراق الشجر ، وهي عناصر تحاكي الطبيعة لكن بأسلوب مرتب ومكرر بشكل يبعده عن المحاكاة المطلقة. ومن خصائصه أن زخرفاته تتراوح بين الأشكال الهندسية ومربعات الخزف ، ويحدها إطار مزخرف بأشكال وردية على الطريقة الفارسية. وقد تعددت ألوان الزخارف من الأصفر والأخضر المائل للصفرة والأزرق ، والتي حددت باللون الأبيض على أرضية حمراء مع تدرج في أطياف تلك الألوان بين القتامة والوضوح ، وقُسًّمت أرضية السجادة ـ هندسياً ـ إلى بلاطات متراصة باللون الأحمر ، تزينها زخارف نباتية ، حيث بدت كأنها لوح من القاشاني البديع.

ومع وصول الصفويين إلى الحكم في إيران 1501( ـ 1731 م) ، جندت جميع الطاقات للوصول بفن السجاد إلى قمة الكمال ، فكلف أشهر الرسامين للقيام بهذه المهمة ، وأنتجت أنواع متعددة من السجاد نذكر منها سجاد: هراة ، وأصفهان ، وكرمان ، وشيراز ، وهمذان ، ويزد ، لكن أهم أنواع السجاجيد ما أنتج في تبريز وقاشان ، وتتكون زخارفها من "صرة" أو "جامة" في الوسط ، ذات أشكال مختلفة ، وقد يمتد ، من طرفي الصرة أو الجامة العلوي والسفلي ، موضوع زخرفي ، يتكون من أزهار وفروع نباتات ، ذات ألوان حمراء وزرقاء وصفراء وألوان رمادية وبيضاء.

ويمكن إرجاع أقدم السجاجيد الصوفية إلى عهد الشاه إسماعيل ، فقد اشتهرت مدينة تبريز ، في عصره ، وعهد خليفته الشاه طهماسب ، بكونها أهم مركز لصناعة السجاجيد ، كما اشتهرت ، أيضاً ، بالسجاد المصنوع من الحرير ، ومن أشهر أنواعه ، سجادة توجد الآن في متحف "فكتوريا والبرت" بلندن.

ومع بدء القرن السابع عشر بدأت السجاجيد الإيرانية ذات الجامة الكبيرة البيضاوية والأرضية التي تزينها رسوم زخرفية نباتية وتصويرية بالتنحي أمام السجاجيد ذات الزخارف الملتفة الأغصان. هذا النوع عرف أولاً في مدينة هراة ، وقد تصدرت هذه السجاجيد الواجهة في القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجري. ويلاحظ في هذه السجاجيد أن رسوم المراوح النخلية فيها أكبر حجماً ، وأنها تحتوي ، فضلاً عن الزخارف المعروفة ، على وريقات طويلة.

أما سجاجيد الصلاة ، فقد كانت تصنع في شمال غرب إيران ، لا سيما تبريز ، وامتازت بالآيات القرآنية المكتوبة بخط النسخ ، والخط الكوفي ، والنستعليق ، في أرضية السجادة والمناطق التي تخف فيها. ويتوسط السجادة عقد يمثل المحراب.

ويعد العصر ألصفوي عصراً ذهبياً لصناعة السجاد ، فقد زاد إنتاج السجاجيد لكثرة الطلب عليها ، وتكمن شهرة السجاد الإيراني في جماله ، وبديع ألوانه ، وتناسقه ، وحسن توزيعه ودقة زخرفته ، من جهة ، ومن جهة ثانية في العناية بنوعية صوفه.

وتكاد تركيا تلحق بإيران في شهرة سجادها ، فنرى أنواعاً منها ذات شهرة كبيرة ، مثل سجاجيد هولباين ، ذات الطيور ، وسجاد ترانسلفانيا ، وقد بلغت صناعة السجاد أوجها في أزمير في القرن العاشر الهجري ، السادس عشر الميلادي ، وأصبحت قاعدة هامة لتصدير السجاد إلى أوروبا ، فقصور المدن الإيطالية ، وكنائسها ، تحتوي ، حتى يومنا هذا ، على تحف ثمينة من السجاد التركي القديم ، وقد رسم كثير من الفنانين الإيطاليين ، والهولنديين ، لوحات فنية ، لتلك السجاجيد التركية ، ومن هؤلاء: جيوتو ، وميكودي بارتولو ، وفرانجلكو ، وهولباين ، وفان إيك ، ومملنج. وللسجاد التركي ميزات وسمات خاصة ، حيث تغلب عليه النقشة الزهرية ذات الخطوط المستقيمة والمرتفعة عادة بقوس المحراب الذي يؤدي دوره عنصراً تصميمياً تركيبياً ضمن أزهار القرنفل ، والزنبق ، والتوليب ، والرمان ، وقد صورت بأسلوب هندسي تجريدي ، ورصت على صفوف ، ومن صفات النقشة ، وضوحها ، وبروزها بسبب تباين البقع اللونية ، حيث تتجاور الألوان البراقة ، كالأحمر ، والأزرق ، والأصفر ، من دون التظليل المألوف في السجاد الإيراني. وبما أن معظم الأنواع يقطع أرضيتها ، قوس أو محراب مركزي ، فإن تباين الألوان يبدو أكثر بروزاً وكذلك التفاصيل الزخرفية ، في الوقت نفسه ، الذي تتناغم فيه الألوان وتتناسق الزخارف.

أما سجاجيد الصلاة التركية ، فأهمها تلك التي صنعت في المناطق الجبلية من الأناضول ، في القرن الحادي عشر والثاني عشر للهجرة ، وتتميز ، بصفة عامة ، بمحراب ذي عقد على شكل زاوية يحملها ضلعان مستقيمان في أرض السجادة.

ورسوم المحاريب مختلفة ، فمنها ما له قوس مدبب ، ومنها ما له قوس فارسي ، وتتناسب الأعمدة مع المحاريب ، فقد تكون سلاسل ، وقد تكون زخارف من الزهور والنباتات ، والإطار غالباً ما يكون من أشرطة رفيعة فيها رسوم زهور ووريقات محورة من الطبيعة ، ومكررة في نظام دقيق.

ومعظم سجاجيد الصلاة التركية النفيسة ، تنسب إلى مدن: كوردهس ، وجوردس ، وقولا ، وأوكولا ، كما ينسب بعضها الآخر إلى لازريق من أعمال قونية ، أو إلى نيلاس ، ومودجور ، ويرغمة. ولكل منطقة من هذه المناطق ، أسلوبها الخاص في صناعة تلك السجاجيد وزخرفتها.

وهناك عنصر هام نستطيع أن نميز به السجاد التركي عن السجاد الإيراني وهو ندرة الكتابة ، أو استخدام الحروف الهجائية ، بعكس السجاجيد الإيرانية التي تسرف في استخدام الخطوط ، وكتابة الكلمات والجمل والأشعار.

أما الهند ، فيعود تاريخ صناعة السجاد فيها إلى عهد المغول الذين دخلوا الهند في عام م1510 ، حيث أقدم الأباطرة المغول على استقدام نخبة من الفنانين والحرفيين من جميع أنحاء الإمبراطورية الإسلامية وتشجيعهم على الاستقرار فيها ، وكانت الأكثرية من الفنانين الإيرانيين ، لذلك كانت السجاجيد المغولية في القرنين العاشر والحادي عشر للهجرة ، متأثرة بزخارف السجاجيد الإيرانية وألوانها.

وبعد ذلك استطاع الصناع المغول التحرر من التأثيرات الإيرانية وقاموا باستحداث أسلوب مغولي خاص يقوم على رسم صور من الطيور ومناظر الزهور والحدائق والصيد ، وظهرت كذلك صور لأشخاص وحيوانات خرافية على السجاد ، وقد ذكر بأن السجاد الحريري المصنوع في تلك الفترة قد فاق السجاد الإيراني من حيث الجودة.

أما الصفة المميزة في السجاجيد المغولية (الهندية) ، فهي ـ في رسومها ـ الأقرب إلى صدق تمثيل الطبيعة ، ويلاحظ ذلك جلياً ، في السجاجيد المغولية الهندية المصنوعة من الصوف في عصر شاه جيهان. كما تمتاز بدقة نسجها ، وعقدها المتلاصقة ، بحث تبدو كأنها مصنوعة من المخمل ، أو من الحرير ، لدقة وبرها ونعومته ، ويقال إن إحدى هذه السجاجيد بها 2002 عقدة في البوصة المربعة الواحدة.

ويمكن تقسيم السجاجيد القوقازية إلى أنواع عدة ، حسب المراكز التي صنعت فيها ، ومن أهم هذه الأنواع ، سجاجيد كازاك ، تلك التي صنعت في الجزء الجنوبي الغربي من القوقاز ، ومنها سجاجيد داغستان ، وتمتاز بألوانها البراقة ، وزخارفها الهندسية الكبيرة ، ووبرها اللامع ، ومعظم هذه السجاجيد سميكة ، ويغلب عليها اللونان: الأحمر ، والأزرق ، كما أن هناك نوعاً ثالثاً من السجاجيد القوقازية ، تنسب إلى شروان ذكويا.

أما السجاد المصنوع في آسيا الوسطى فإنه يتصف بكونه قطعاً صغيرة ، وهو يعتبر جزءاً مهماً من أثاث سكان تلك المناطق ، وذلك لكونه مصدراً مهماً للدفء وللزينة ، ومن أشهر السجاد المصنوع فيها سجاد بخارى.

ومع بداية القرن الثامن أدخل العرب إلى الأندلس تقنية جديدة على فن السجاد الإسلامي ، تسمى بالعقد الأسبانية ، وكان لطرد العرب من غرناطة ، في عام م1492 ، الأثر البليغ في هذا الفن ، الذي أصبح ، في ما بعد ، يُعد من الصناعات الأوروبية.

أخيراً تفنن الفنان المسلم في تشكيله للسجاد ، حيث كان للوحته ـ السجادة ـ فعل السحر في الاستحواذ على إعجاب الناس ، وجعلهم يتباهون في حيازتهم له. وبرغم طغيان الآلة على المهارات والإبداعات الفنية ، ما زال السجاد الإسلامي يحتفظ بقيمته الفنية والتاريخية.

التاريخ : 27-08-2010

أرشيف المدونة

المسجد النبوي الشريف - جولة إفتراضية ثلاثية الأبعاد

About This Blog


Labels