القدس: الاحتلال يزيل 150 مدفناً في مقبرة «مأمن الله» التاريخية
صبري يشير إلى شواهد لقبور جرفت في مقبرة «مأمن الله» التاريخية في القدس المحتلة أمس (أ ف ب)
ارتكب الاحتلال الإسرائيلي، ليل أمس الأول، جريمة جديدة، في سياق مخططه المتواصل لتهويد القدس المحتلة وطمس معالمها التاريخية، حيث قامت جرافاته، تحت جنح الظلام، بهدم وإزالة عشرات المدافن في مقبرة «مأمن الله» التاريخية في المدينة المقدسة، في وقت واصل المستوطنون اليهود اعتداءاتهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث أحرقوا مئات الدونمات من أشجار الزيتون المثمرة في نابلس، وأصابوا متضامنين أجنبيين ومواطنة في الخليل.
وذكرت «مؤسسة الأقصى للوقف والتراث» إن «سلطات الاحتلال الإسرائيلي وأذرعها التنفيذية ارتكبت جريمة بحق مقبرة مأمن الله الإسلامية التاريخية في القدس، حيث قامت تحت جنح الظلام بجرف وهدم وإزالة عشرات القبور فيها»، محذرة من أنّ «المؤسسة الإسرائيلية تخطط لمواصلة جريمتها وهدم مئات القبور في الجزء المتبقي من المقبرة».
وأوضحت مؤسسة الأقصى أنّ «هذه الجريمة جاءت بعد قيام مؤسسة الأقصى، ومتولي الوقف في المقبرة المهندس مصطفى أبو زهرة، والحاج سامي رزق الله أبو مخ، بأعمال ترميم وصيانة لمئات القبور التي يتهددها خطر الاندثار بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتراكمة على مرّ أكثر من 60 عاما».
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية انه تم جرف نحو 150 قبراً في ساعة متأخرة من ليل أمس، بعدما فشلت طواقم بلدية الاحتلال في القدس في جرف هذه القبور نهارا، بسبب تواجد ممثلين عن الأوقاف الإسلامية والحركة الإسلامية في المكان.
وكانت جرافات بلدية الاحتلال في القدس قامت، الأربعاء الماضي، بهدم 15 مدفناً في مقبرة «مأمن الله»، إلا أنّ القيّمين على هذا المعلم التاريخي اعترضوا طواقم البلدية وأفراد الشرطة الإسرائيلية والقوات الخاصة التي تواجدت لحراسة آليات الجرف، ما أرغمها على وقف أعمال الهدم.
يُذكر أن مقبرة «مأمن الله» تعد من أعرق وأكبر المقابر الإسلامية في القدس. وتشير مصادر تاريخية إلى أنّ عدداً من صحابة النبي محمد والعديد من العلماء والشهداء مدفونون فيها. وقد تعرضت لعشرات الاعتداءات الإسرائيلية على مدى العقود الماضية.
وقال رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري إنّ «مقبرة مأمن الله هي مقبرة إسلامية تاريخية تضم رفات الآلاف من الصحابة والتابعين والعلماء والقادة والآباء، وكانت مساحتها تبلغ 200 دونم، ولكن لم يتبق منها سوى 20 دونماً، بسبب المشاريع الإسرائيلية التي نفذت عليها». واستغرب الشيخ صبري تبرير البلدية لهدم القبور بأنها مستحدثة، مشدداً على أنّ « لا قبور جديدة في المقبرة لكن تم ترميمها للمحافظة على كرامة الميت وقدسية القبر».
من جهته، استنكر رئيس مؤسسة الأقصى المهندس زكي إغبارية هذه الجريمة، محملاً الاحتلال مسؤولية ما وقع من جريمة نكراء. وحذر من الخطر الذي يتهدد عشرات القبور المتبقية في المقبرة، لافتاً إلى أن سلطات الاحتلال وضعت علامات عليها باللون الأحمر تمهيداً لتجريفها خلال الأيام المقبلة.
بدوره، قال المتحدث باسم الحركة الإسلامية في الداخل زاهي نجيدات «لن نيأس، ولن نستسلم، ولن ننسحب من معركة صراع الإرادات على مقبرة مأمن الله». وتوجه إلى قادة الاحتلال بالقول: «إن ظننتم أنكم بجرف القبور ستجرفون التاريخ، فأنتم واهمون، فإسلامية وعروبة القدس أقوى من جرافاتكم الصمّاء وعقولكم الجوفاء».
من جهة ثانية، أضرم مستوطنون النار في مئات الدونمات المزروعة بأشجار الزيتون في بلدة فوريك شرقي نابلس. وقال مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة غسان دغلس إن مستوطني مستوطنة «ايتمار» أشعلوا النيران في كروم الزيتون في بلدة فوريك، المطلة على خربة طانا، مشيراً إلى أنّ النيران امتدت إلى مئات الدونمات المزروعة بأشجار الزيتون المثمر.
وأضاف أن فرق الإطفاء التابعة للدفاع المدني لم تتمكن من الوصول إلى المكان لإخماد النيران، حتى ساعة متأخرة من مساء أمس، لافتاً إلى أنّ أهالي القرية يخشون امتداد النيران إلى مساحات اكبر بسبب موجة الحر الشديد التي تضرب المنطقة.
وفي الخليل، اعتدى مستوطنون على متضامنين أجانب في قرية البويرة، شرقي المدينة. وقال شهود إن «ثلاثة مستوطنين من مستوطنة (خارصينا) المقامة على أراضي المواطنين الفلسطينيين في شرقي مدينة الخليل اعتدوا بالضرب على متضامنين أجانب خلال تواجدهم في المنطقة بغرض حماية المارة من اعتداءات المستوطنين»، موضحين أنّ اثنين من المتضامنين الأجانب، وهما دنماركي وكندي، قد أصيبا في الهجوم، حيث نقلا إلى «المستشفى الأهلي» في المدينة لتلقي العلاج.
وكانت مواطنة من الخليل قد أصيبت، مساء أمس، بجروح بعدما اعتدى عليها مستوطنون بالضرب في شرقي المدينة. وذكرت مصادر فلسطينية أنّ سوزان جميل سلطان (51 عاما) أصيبت بجروح وكدمات متفرقة، بعدما هاجمها مستوطنو «خارصينا».
ويبدو أن اعتداءات المستوطنين المتكررة على أهالي الضفة الغربية قد بدأت تثير المخاوف لدى الدوائر الأمنية الإسرائيلية من احتمال شن عمليات انتقامية من جانب الفلسطينيين. وذكرت صحيفة «هآرتس» أنّ قائد الفرقة العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية نيتسان ألون بعث برسالة تحذيرية إلى قادة «مجلس ييشع» الذي يمثل غالبية مستوطنات الضفة الغربية، حذرهم فيها من احتمال تعرض المستوطنين لعمليات خطف. وجاء في الرسالة أنّ «خطر التعرض لعمليات خطف بات جدياً... وعليكم أن تذكروا السكان، وخصوصاً الشبان، بضرورة اتخاذ إجراءات السلامة».
وأوضحت «هآرتس» أن هذا «التحذير جاء بعد ورود معلومات استخباراتية تفيد بأنّ قادة حركة حماس في دمشق يحثون مناصري الحركة في الضفة الغربية على أسر مستوطنين إسرائيليين»، مشيرة إلى أنّ التقديرات داخل الجيش الإسرائيلي تشير إلى أنّه «في حال تمكن الناشطون من تنفيذ المخطط الخاص بالخطف، فستكون عمليات كهذه لغرض المساومة على المدى القصير، خلافا لما جرى في عملية خطف (الجندي الأسير في غزة) جلعاد شاليت». («السفير»)