محمد بن زايد يشهد محاضرة حول نفائس المخطوطات الإسلامية في التراث الأندلسي
تاريخ النشر: الجمعة 27 أغسطس 2010
حمد الكعبي
حضر الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بقصر سموه مساء أمس الأول، محاضرة حول نفائس المخطوطات الإسلامية في التراث الأندلسي التي ألقتها آدا روميرو سانشيز الخبيرة في التاريخ الأندلسي في قسم الدراسات السامية بجامعة غرناطة بإسبانيا، وذلك في إطار سلسلة المحاضرات التي يستضيفها المجلس الرمضاني لسموه.
وقالت المحاضرة في مستهل محاضرتها إن التاريخ الإسلامي لم يكن إلا تسجيلاً لحركة المجتمع المسلم في كل الاتجاهات وعلى كل المستويات، وتسجيلاً لجوانب الحضارة الإسلامية المنفردة، وكان لمراحله منحدراتها وانحناءاتها، كخط بياني متصل يسجل مدى درجة التزام المجتمع عبر فتراته المختلفة بهذا الدين عن طريق الالتزام به أو فهمه الفهم الصحيح.
وأضافت المحاضرة أن التاريخ الإسلامي هو تلك المسيرة الإنسانية التي سارت فيها مواكب المسلمين على مدار التاريخ، وسجلتها الأجيال بصورة متفاوته مرتفعة أو منخفضة، وأكدت المحاضرة أن التاريخ شهد قيام حضارات ذوت وزالت، وذلك لما دخلها من نقائص وعيوب، إلا الحضارة الإسلامية، فقد كانت هذه الأمة تقوم من عثراتها دائماً، وتعاود الوقوف على قدميها، رغم شدة المؤثرات الداخلية والخارجية التي دكت حصونها دائماً. وأرجعت ذلك إلى سببين رئيسين : أولهما عوامل الحياة الذاتية في هذه الحضارة ومقوماتها، وثانياً لأنها حضارة تقوم على مصلحة الإنسان ومجتمعه، أي مصلحة الأمة فحسب دون الأخذ بالاعتبار أي مصالح أخرى.
وأكدت دور التاريخ في إبراز هذه الحقائق وتسجيلها لا طمسها، مؤكدة أنه من أهم مقاصد تسجيل التاريخ الإسلامي أن يقدم للأمة (إن لم يكن للآخرين) صورة حية عملية عن حياة المسلمين خلال أربعة عشر قرناً، ليتعرف الناس إلى هذه الطاقة الغريبة والعجيبة التي وضعها الله في هذا الدين لتصنع الأمة على مدار عصور التاريخ الإسلامي وأزمانه.
التاريخ الإسلامي في الأندلس
وأشارت آدا روميرو إلى أن كل حديث في التاريخ الإسلامي بالأندلس لا يخرج عن كونه تقديماً إلى مدخل لكتابة هذا التاريخ المجهول. الذي قالت إنه إلى اليوم وللأسف الشديد لا يزال مجهولاً حتى من قبل كثير من الدارسين والمتخصصين، ويرجع ذلك لما قامت به محاكم التحقيق أو محاكم التفتيش لمواجهة هذا التاريخ الإسلامي وتجريحه، وتزييفه، وتشويهه، والافتراء عليه، وحرق براهينه من مخطوطات وكتب وطمس معالمه، وذلك لأن المواجهة مع التاريخ الإسلامي بالنسبة لتلك القوى تعني قطعاً المواجهة مع الإسلام.
وذلك هو وحده كان الهدف من وراء كل هذه الجهود المسيسة والتي كانت تهدف إلى إبادة شعب بأكمله على أرضه، وأشارت المحاضرة إلى أن تقديم التاريخ الإسلامي في الأندلس بشكله الصحيح لا أن ننعى ما حدث أو نتغزل بحضارة قامت في وقت من الأوقات، وإنما يجب تقديم تاريخ الأندلس بواقعه الحلو والمر لنصل في النهاية إلى إعادة تقديم الإسلام بصورته الحقيقية إلى الناس، والذي يعد الطريق الوحيد لمعرفة آثار الإسلام على هذه الأمة وهذا الإنسان. ومفتاح كل ذلك أن نسعى بجد شديد لإنقاذ التراث الإسلامي في الأندلس وما بقي من مخطوطات والتي ستشكل حجر الأساس لإعادة اكتشاف الأندلس.
وقالت آدا روميرو “إن المشكلة الأساسية هي أن كل مراكز كتابة التاريخ في العالم اليوم، وخاصة في الغرب، تقدم التاريخ الإسلامي عامة والأندلسي خاصة بشكل مشوه، وبل ويتم تقديمه فقط من قبل مشوهين، ومعظمهم يعرفون الحقيقة ويزيفونها عن عمد، وذلك لأن هؤلاء الباحثين معظمهم إن لم يكن كلهم مدفوعين بأحقاد تاريخية أو بسياسات مخطط لها، لا تريد أن يظهر فيها الإسلام كدين سمح وعقيدة توحيد، ولكنهم يربطون النتائج دائماً حسبما يطلب منهم، فيظهر إسلام غير الذي نعرفه وغير الذي نعتنقه”.
وأضافت أن المسلمين وفيهم كثرة من المتخصصين قد جهلوا روح وطبيعة وحقيقة أهمية معرفة التاريخ في حياتهم، وأن من يتولى كتابة هذا التاريخ وتدريسه في جامعات أوروبا ليس إلا مجموعة من ناقلي العلم المشوه والمزيف الذي كتبه بعض المستشرقين.
وأشارت المحاضرة إلى دور المسلمين من كل الأجيال في حمل رسالة دينهم، وإظهار عجائبه في النفس والمجتمع. وقالت إن هذا ما حدث في الأندلس حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وحتى من قبل أن يسمع الناس بالنصوص أو يروها، لقد كانوا منجذبين لمنهج الله وحده، وصنعوا التاريخ بسلوكهم وتفانيهم بالتحقق بروح هذا الدين.
دعوة لإنقاذ آثار حضارة الأندلس
تحدثت المحاضرة عن حضارة الأندلس وما قدمته في القرون الوسطى من علم وازدهار في جميع نواحي الحياة.
وأشارت إلى جهل المجتمع الإسباني بهذا الإرث الأندلسي، وحقيقة المورسكيين ومحاكم التحقيق أو التفتيش وأهداف طمسهم لهذا التاريخ.
ودعت إلى أهمية التحرك لإنقاذ ما تبقى من الإرث الأندلسي ورعايته، وقالت إن هذا الإرث ليس إلا الصوت الصامت لمجتمع اشتهر بمبدأ التعايش والاحترام.
وتطرقت إلى معاناة المسلمين الأندلسيين في إسبانيا من جراء تشويه التاريخ الإسلامي، وشددت على ضرورة تصحيح النظرة وإزالة الحجب لإعادة النظرة الصحيحة عن التاريخ الأندلسي المشوه، وكذلك السلوك الإسلامي الصحيح. وقالت إن “سلوك المسلم هو الرسالة الوحيدة التي فهمتها الإنسانية اليوم عن الإسلام والمسلمين وسلوك المسلم سيظل هو الرسالة الوحيدة للإنسانية حتى يرث الله الأرض ومن عليها”.
وأشارت المحاضرة إلى دلالات قوله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) مشيرة إلى أن الخلق العظيم لا يترجم إلا بسلوك إسلامي قويم.
وأوضحت المحاضرة أن صفحات التاريخ سجلت أن أي أمة أرادت فناء الإسلام بإفناء أهله وتشويه تاريخه انتهى بها الأمر أن دخلت في دين الله أفواجاً، كما حصل في فارس.
وقالت إنه ما من قوم درسوا التاريخ الإسلامي اليوم واطلعوا على عجائبه إلا ودخل الإسلام إلى قلوبهم، لذا فقد اجتهد الكثيرون ليظهروا في الغرب أن المسلم هو ذلك الإرهابي الذي يحمل سيفاً يقطر دماء، بينما المسلم لم يحمل سيفاً على الإطلاق إلا ليدافع عن نفسه أو لينشر الخير في الأرض ويدافع عن البشرية.
وقالت المحاضرة “لقد انهمك هؤلاء خلال عقود طويلة في كتابة تاريخ المسلمين من زوايا أحقادهم، وللأسف فإن هناك جامعات ومعاهد معروفة عالمياً، اشتغلت بذلك وبذلت ملايين الأموال من أجل تشويه هذا التاريخ”.
الاهتمام بالتاريخ الإسلامي
دعت المحاضرة المسلمين للاهتمام بتاريخهم، لأن ذلك يعني اهتمامهم بإسلامهم، وحرصهم على التاريخ يعني حرصهم على إعادة تلك الأمجاد التي سجلتها، والتي لا عودة إليها إلا بتمثيل الدين الذي خرج من ذلك الجيل، بالروح نفسها والمفاهيم نفسها.
وزادت أن تدريس التاريخ ومحاولة إنقاذ المخطوطات الإسلامية الأندلسية وحفظها وترجمتها ليس حرفة أو ترفاً بل هي أمانة تاريخية يقدمها المسلمون الإسبانيون الجدد لأجدادهم الأندلسيين.
وأكدت المحاضرة أن الدين الإسلامي عرف كيف يتأقلم ويتعايش مع أي حضارة ومع أي بلد يصل إليه، وأشارت إلى وصول الإسلام إلى الأندلس وإسلام معظم الشعب الأندلسي خلال 40 عاماً، وقام المسلمون بتطوير الحضارة وإضافة العديد من الاختراعات والابتكارات الإسلامية الجديدة التي ساهمت في دفع عجلة التنمية وساعدت على تطور إسبانيا في تلك الحقبة عن بقية أوروبا.
وقالت المحاضرة إن الاكتشافات الأثرية الأندلسية التي أبهرت العالم، ليست إلا جزءاً قليلاً منها، حيث لم يتم حفر وتنقيب سوى 10 % فقط من إجمالي المساحة المفروض التنقيب فيها عن الآثار التي اندثرت، وهمشت وضيعت بسبب أحقاد الآخرين على مسلمي الأندلس.
وقالت “أعجبني تفكير المسلمين في الأندلس الذين كانوا يعملون من أجل أن يتعلموا، بعكس الوقت الراهن الذي يتعلم فيه الشباب من أجل أن يعملوا”.
وأشارت إلى ملايين المخطوطات التي تم تغييبها وحرقها بعد الهجمة التي تعرضها لها الإسلام في الأندلس لطمس الهويات، وأشارت إلى أن المسلمين برعوا في كل شيء وآثارهم خير دليل وشاهد على تقديمهم للأندلس التقدم وللعالم أجمع.
آدا سانشيز: الحضارة الإسلامية تركت أضخم ثروة من المخطوطات الأندلسي
وعرضت المحاضرة آدا سانشيز خلال محاضرتها العديد من الصور التي تناولت كيفية دخول المسلمين إسبانيا عام 711م وما قدمته الحضارة الإسلامية هناك من إنجازات على مستوى التأليف العلمي والطبي والديني والأدبي وفي الجوانب المعمارية والهندسية والاقتصادية والزراعية والقانونية وغيرها من المجالات الأخرى.
وتضمنت هذه الصور والرسومات احترام الإسلام للثقافات المحلية وسماحته ووضع المسلمين المورسكيين “المواركة” إبان حملات محاكم التفتيش ومحاولاتهم إخفاء أو الفرار بدينهم ومؤلفاتهم ومخطوطاتهم وحرصهم على عدم إضاعتها لأنها تمثل تراثاً إنسانياً للبشرية كلها.
وبحسب المحاضرة فقد كانت مكتبات قرطبة وحدها تضم نحو400 ألف مخطوطة في شتى العلوم والمعارف إبان القرن الحادي عشر للميلاد، منوهة إلى أن الحضارة الإسلامية التي تهتم بالعلم والمعرفة هي أكثر الحضارات من حيث عدد المخطوطات التي يقدرها البعض بسبعة ملايين مخطوطة بينما تعتقد المحاضرة أنها في حدود أربعة ملايين تقريباً.
وقالت في هذا الصدد إن إحراق المخطوطات في الأماكن والميادين العامة كان بهدف القضاء على الذاكرة كخطوة أولى نحو نسيان هذه الحضارة الإسلامية المشعة على الكون كله وأشارت هنا إلى بعض شهود العيان الذين كتبوا عن هول ما رأوا في بعض المخطوطات التي تم الحصول عليها.
وأعربت عن أسفها لأن بعض فئات المجتمع الإسباني تحتفل سنوياً حتى اليوم بما لحق بالمواركة وتاريخهم من تشويه وظلم وعنف وإبادة وتهجير وإخراج وطرد وحرق لمؤلفاتهم رغم الجهد الذي تبذله الحكومة الإسبانية في مجال إنقاذ المخطوطات.
ولفتت هنا إلى أن بعض الوثائق تشير إلى أن نحو 60 في المائة من المواركة لم يغادروا إسبانيا بل تفرقوا واختبأوا في الجبال واتخذوا التقية طريقة وسبيلاً خوفاً على حياتهم من محاكم التفتيش واستطاعوا نقل دينهم وعلمهم إلى الأجيال الحالية ومنها أسرة المحاضرة نفسها.
وأكدت في ختام المحاضرة أن الوضع السياسي في إسبانيا تحسن في العقود القليلة الماضية بفضل علاقات التعاون المتطورة مع العالم العربي خاصة، حيث صدر قانون تعدد الأديان الذي ساعد في إظهار المواركة لدينهم كما أسلم إسبان آخرون بعد أن عرفوا حقيقة أن الإسلام ليس دين إرهاب وحروب بل دين تسامح وتعايش وحب وعدالة.
الحضور
حضر المحاضرة سمو الشيخ راشد بن سعود بن راشد المعلا ولي عهد أم القيوين ومعالي عبدالعزيز عبدالله الغرير رئيس المجلس الوطني الاتحادي والامير أندرو دوق يورك، وسمو الشيخ سرور بن محمد آل نهيان، والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وسمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية، وسمو الشيخ محمد بن خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دائرة المالية، ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي ومعالي أحمد بن سيف آل نهيان عضو المجلس التنفيذي ومعالي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس هيئة أبوظبي للسياحة، والشيخ هزاع بن طحنون آل نهيان وكيل ديوان ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية ومعالي عبد الرحمن العويس وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وعدد من الوزراء والمسؤولين بالدولة والسفراء والمدعوين.