الجمعة، 9 مارس 2012

الوطن | الفن الإسلامي تشكيلاً وتطبيقاً...بشير زهدي: لغتنا العربية هي «لغة الحب»

الوطن | الفن الإسلامي تشكيلاً وتطبيقاً...بشير زهدي: لغتنا العربية هي «لغة الحب»
 

أقيمت ندوة «كاتب وموقف» بعنوان «الفن الإسلامي تشكيلاً وتطبيقاً» وذلك منذ أيام في المركز الثقافي أبو رمانة شارك بالندوة الباحث بشير زهدي والباحث والخطاط أحمد المفتي والدكتور الفنان التشكيلي محمد غنوم وأدار الندوة الإعلامي عبد الرحمن الحلبي.
تساءل عبد الرحمن في الندوة عن الفن مصطلحاً، وماذا يعني اصطلاح الفن الإسلامي؟ وما مقوماته ومعطياته؟
أشار الباحث بشير زهدي إلى أن لغتنا العربية هي «لغة الحب» لأنها في البدء ليست لغة الضاد كما يسميها بعض الراسمين وإنما هي «لغة الحب» لأنها تبتدئ بحرف الحاء وتنتهي بحرف الباء وما بين الحاء والباء تنتظم حروف اللغة العربية على التوالي لذلك لغتنا هي اللغة التي اختارها اللـه ليكون كلامه بهذه اللغة.
وقد شرح أحمد المفتي معنى كلمة الفن بأنها الوضع أو الأوضاع أو الحال ومنها جاءت كلمة الأفنون أو الأفانين، كلمة الفن لم تأخذ هذا الاصطلاح بمعناها اليوم إلا عبر التاريخ من خلال معان تدرجت فيها فاقترنت بالبدء بكلمة الصناعة ونحن بالشرق حينما نتحدث عن كلمة الصناعة فهذا الاصطلاح الذي أخذ مفهومه عبر التاريخ من خلال الأمور الفكرية، ولذلك فإن كلمة الفن والصناعة ارتبطتا بمعنى واحد ولم تأخذ معنى الحرفة أو الصناعة التي كانت تطلق على أولئك النجارين والحدادين أو الذين يتعاملون بالصناعات الحرفية وإنما كانت هذه الكلمة تطلق اصطلاحاً على المعاني الفكرية وليس على المعاني الحرفية، وإن معنى كلمة الفن لم تأخذ معناها الاصطلاحي بمفهومها الحديث إلا من خلال التطورات التي ناضل من أجلها الرسامون الذين كانوا في منتصف القرن السادس عشر، والفن الإسلامي لم يبدأ مع النبي محمد (ص) كفن وإنما بدأ في مدينة دمشق أيام كانت عاصمة الأمويين وخاصة في العمارة من خلال قبة الصخرة والجامع الأموي.
أما الدكتور محمد غنوم فأكد أن الفن الإسلامي مختلف عن بقية الفنون لأنه احترم كل ثقافات الشعوب التي اعتنقت الإسلام فمصطلح الفن الإسلامي حمل الشمولية التي جعلت من هذا الفن منتشراً في الإسلام شرقاً وغرباً حملت الاحترام وذلك من خلال المحبة وليس بالسيف فالفن الإسلامي حمل كل خصائصه بالمحبة وعشق الفن والاعتراف بجماليته فهو نتاج هذا الإنسان المسلم وبمختلف القوميات والأعراق وهو فن اعترف بأهميته وجماليته.
يتابع غنوم: إن كل شعوب العالم تهتم بحروفها وبتزينها، فلا نستطيع القول إننا نحن العرب فقط من نحب ونعشق ونطور فننا، ولكن الأمر المهم بالخط العربي الذي أريد تأكيده هو أن الخط العربي كتب به كلام اللـه وهو أمر بغاية الأهمية لذلك حمل القدسية لكل من يكتبه أو يرسمه جعلته في حال مستمرة لتجويده وتحسينه.
ويعتبر غنوم أن الخط العربي فن سام وراق وهو فن يتمثل بمنتهى التجريد، فحروفه ليست بطة ولا ضفدعة ولا عصفوراً هي رموز سامية راقية أوحى بها اللـه لنا بأن نكتبها بهذا الشكل أنا كعامل بهذا الفن ومحترف بالخط العربي وأريد أن أقدم رأيي بموضوعية فالخط العربي فن بكل ما للكلمة من معنى وله أصول ومدارس ومقاييس وأوزان وله موقعه غير أنه يقوم على مجموعه من الأسس والقواعد وأن الفنانين من العرب والغرب عشقوا الحرف العربي وعملوا على تجميله بأبهى وأجمل صورة ووضعوا قواعده يبدأ من ابن مقلة إلى يومنا الحالي ونحن ندرس هذه القواعد ونقوم على تطويرها وتحديثها بشكل مستمر.
ومن جهته أكد بشير زهدي أن الخط العربي مر بتطور كبير من أوغاريت «رأس الشمرا» حتى وصلنا إلى الخط العربي وهناك مؤلفون مختصون بتاريخ الكتابة كجون فبرييه ذكر في كتبه كل كتابات العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ومن دون استثناء واعتمد بدراسته للخط العربي على الخط السرياني الذي خرج منه الخط الكوفي والخط العربي فهو يتغنى بجمالية الخط العربي والحرف العربي ويقول إنه من الحروف التي لديها طاقات من حيث الامتداد شمالاً وجنوباً ليس هناك حرف آخر يمكن أن يشابهه.
وتحدث أحمد المفتي عن قضية الدراسات للخط العربي فالعرب لم يدرسوا أكاديمياً الخط العربي إلا من خلال المستشرقين الذين درسوا هذا الفن وأعطونا خلاصة ما وصلوا إليه وبرغم من أنني اختلف اختلافاً كبيراً مع نظريات المستشرقين التي وضعوها خلال دراستهم لأنني بحثت طويلاً في دراسة الخط العربي ولدي العديد من الدراسات بالنقوش وقمت بتحليل بعض النقوش ولدي باع طويل بهذا الشأن وأقول إن المستشرقين هم الذين نظروا إلى الشكل الخارجي للحرف العربي ووجده قريباً من الحرف السرياني وهو قضية الانبساط والتبسيط ونظروا للحرف بالشكل الخارجي وبيّن بعض المؤرخين أن الحرف العربي كان غير منقوط حتى زمن عبد الملك بن مروان حين أمر الحجاج بن يوسف الثقفي نصر ابن عاص ويحيى ابن يعرب بأن يضعوا نقطاً للكتابة العربية ولكن نحن من خلال دراستنا كمسلمين أو عرب فإننا نصل إلى نظريات مغايرة تماماً لما يقولون عن الحرف العربي ونحن نؤكد أن الخط العربي منقوط منذ زمن الجاهلية ولكن الصحابة هم الذين جردوا الحروف من النقط تشير الدراسات إلى «أن الصحابة عندما كتبوا تلك المصاحف جردوها من النقط ليشتمله مما صح عن النبي».
وبيّن أحمد المفتي أن ثلاثة أساليب لفن الزخرفة العربية هي الأسلوب الهندسي وهو الذي يضم المربعات والمثلثات والمثمنات ومنها تنطلق الزخرفة وهذا النوع من الفن يتوالد عنه العديد من الأشكال، الأسلوب الثاني وهو الخطوط اللينة وفيه ألوان النباتات والأزهار ويضم الأشكال اللينة والفنان العربي عمل عليها وزينها وزخرفها بألوان جميلة جداً وأما الأسلوب الثالث المشترك فيمزج بين الأسلوب الأول والثاني فكانت تلك اللوحات الزخرفية الجميلة، حيث إن فن الأرابيسك هو المزيج بين تلك الزخارف بمختلف أنواعها مضاف إليها الحرف العربي والمسجد الأموي يجمع فن الأرابيسك في كل الحالات فن الأرابيسك أو «الرقش العربي» هو فن سام ففي جوهره أكثر من باطنه.
يرى زهدي أن فن النحت وصل على يد الأغريق إلى قمة الجمال فالجمال هو التناسب وعندما ظهر الفن العربي الإسلامي عبر عن اللانهائية فالوحدات الزخرفية تتكرر إلى اللانهاية والفن التجريدي فن إيحائي فالإيحاء عنصر من عناصر الفن المعاصر.
يعرف أحمد المفتي الأرابيسك عبارة عن الأشكال الهندسية الزخرفية التي ظهرت في الفن الإسلامي فلم تنطلق من فراغ وإنما من فلسفة وعندما نتحدث عن الشكل السداسي وهو عبارة عن قضية الخلق فهو يتحدث عن المثلثين المتداخلين هذا المثلث عبارة عن النفس والروح والجسد ومن هنا حين ننظر إلى منتصف مأذنة عيسى بالجامع الأموي نجد أن هناك شكلاً مسدساً بوسط هذه المأذنة ويظن بعض الناس أن هذا شعار إسرائيل ولكن إسرائيل كما اختلست التاريخ كله اختلست أيضاً الشكل السداسي من المسلمين ومن العرب قديماً هذا الشكل المثلث وضع بهذه المأذنة كما يقول ابن بطوطة حين زار الجامع الأموي وصعد إلى قبة النسر لم يجد حشرة في قبة النسر وبرغم من أن السطح من الخشب ويعود ذلك لأنهم صنعوا شكلاً مسدساً لطرد الحشرات والأفاعي من هذا البناء سورت التكية السليمانية بأشكال سداسية من بدايتها إلى نهايتها وبأن الفن الأموي الذي نشأ بمدينة دمشق على أيدي الصانعين والحرفين والفنانين من دمشقين كانت لهم فلسفة وبعد نظر بأن الشكل الهندسي يدل على الخوف من اللـه من خلال أشكاله اللامتناهية ومن خلال أشكاله التي تنطلق نحو المطلق ولذلك أسسوا بالأندلس حضارة أموية اقتنصها أهل المغرب من أهل المشرق.
قال غنوم: أحترم كل فنون العالم وكلها لها دورها بالحياة الإنسانية وبالثقافة لكنني لا أرى ضرورة في استيراد الأفكار فنحن لدينا أفكار ولدينا ثقافة مهمة وقوية جداً وفن مهم جداً وهو الفن الإسلامي الذي نتحدث عنه.
على هامش الندوة التقت «الوطن» الباحث بشير زهدي يقول: لا شك أن الفن العربي الإسلامي هو أحد الفنون الكبرى بالعالم ولكل أمة حضارتها وفنونها والفن العربي الإسلامي هو بمنزلة هوية حضارية للأمة العربية الإسلامية، وهو غني بمبانيه الأثرية وطموحاته الروحية من المأذن والشاهقة والقباب الرائعة وكلها تمثل الطموح الروحي، المأذن المرتفعة تمثل الطموح الكبير الذي يبحث عنه كل إنسان والفن العربي الإسلامي فن أخلاقي وهو فن الدعوة للفضيلة وهو تعبير عن فضيلة العمل وأضف إلى ذلك أن للفن العربي اتجاهين اتجاه المحاكاة والآخر اتجاه اللامحاكاة وهو من دون شك فن تجريدي وفن تشخيصي لتزين الكتب الأدبية والعلمية كمقامات الحريري.
ومن جانبه بيّن أحمد الفتي أن كلمة الفن وتطورها مصطلحاً وكيف أصبحت تعني اليوم هذا الشكل المتعارف عليه، كلمة الفن أخذتها تاريخياً ودرستها من خلال التاريخ والفترة الطويلة من الزمن خلال هذه الفترة التي كان للفن مكان كبير في حياة الإنسان المسلم وأن قبة الصخرة هذه الآبدة المعمارية الأولى التي بناها عبد الملك ابن مروان نلاحظ فيها هذا الشكل الثماني الذي عبر عن الآية «ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية» ومن هنا نجد أن الفن الإسلامي لم يتأثر بالفن البيزنطي كما يقول بعض المستشرقين وإنما كان الفن الإسلامي مثالاً حياً وجديداً لكل الفنون التي رأيناها فيما بعد وقبة الصخرة تحوي ألواناً من الخطوط والفنون الزخرفية.
وتابع: إن الفن تطور بشكل كبير وخاصة بقضية التجريد وقد أصبح للفنان رؤية باطنية لم تكن من قبل وإنما كان يصور الواقع أما اليوم فإننا نلاحظ أن الفن أخذ أبعاداً وأفكاراً جديدة هذه الأفكار بدأت تظهر للواقع من خلال الباطن الذي يؤمن به الفنان وخاصة التجريد الإسلامي يختلف تماماً عن التجريد الحديث الغربي، فالتجريد الإسلامي ينطلق من واقع يشعر به الإنسان أما التجريد الغربي فهو عبارة عن أشياء نفسية تنطلق من اللاوعي النفسي فلذلك هناك خلاف بين التجريد الإسلامي والتجريد عند الغربين والخط العربي هو نوع من أنواع التجريد فله أبعاد ومضامين وأشكال وهيئات لذلك يختلف الفن بين الفن الغربي والشرقي العربي.
أما الدكتور محمد غنوم فنان تشكيلي فقال: إن الفن الإسلامي لم يقف عند حد ولكن بقي يتطور على مر الأيام وهذا التطور نلمسه من خلال اللوحات التي جعلت الخط العربي بشكل وبقالب جديد وحلة رائعة هذه اللوحات التي أطلق عليها الحروفية عبارة عن عمق الفن والثقافة البصرية التي حملت هموم وقضايا العصر، وأنا الفن عندي هو الأوكسجين الذي أتنفسه فالحياة دون فن لا يمكن أن تعاش فالفن جزء من إنسانية الإنسان وليس فقط جزءاً من ثقافته البصرية فهو أساس وجوده على هذه الأرض.

ديما ديب   
2012-03-06 00:00:00   

أرشيف المدونة

المسجد النبوي الشريف - جولة إفتراضية ثلاثية الأبعاد

About This Blog


Labels