عن متحف الذاكرة الفلسطينية؟!
- السبت، 03 آذار 2012 23:37
في شهر يناير من عام 1999، شهد أحد فنادق العاصمة الأردنية عمان معركة فلسطينية من تلك المعارك التي بتنا شهوداً عليها منذ التوقيع على أوسلو.
المجتمعون التقوا أساساً لبحث فكرة العالم الاستراتيجي الفلسطيني (يوسف الحسن) التي طرحها على جمعية فلسطينية مقرها في أوروبا، وتعنى برعاية النشاطات الوطنية الثقافية والحضارية والإنسانية التي تقوم على أرض فلسطين..
وتبنت الجمعية المذكورة -التي يتكون عمودها الفقري من العشرات من كبار الممولين الفلسطينيين- وشكلت لجاناً علمية لدراسة الفكرة -التي أصبحت مشروعاً- من الجوانب المختلفة النظرية والعملية، ليتكون في النهاية مجلس أمناء يطلق المشروع إلى حيز الواقع..
وكان اجتماع عمان الحلقة الأخيرة من سلسلة الاجتماعات لدرس الموضوع في شكل ورشة عمل -شارك فيها حوالي الستين من أصحاب الخبرة والاختصاص من مؤرخين ومهندسين معماريين وعلماء في الثقافة والتربية والاجتماع والإعلام والفن، وخبراء في المتاحف-
الفكرة التي طرحها العالم يوسف الحسن، وأشرفت على التحقق برعاية جمعية التعاون السويسرية، تمحورت حول (إنشاء متحف للذاكرة الفلسطينية)..
ليس مجرد متحف عادي كسائر متاحف الأرض، وإنما متحف /معرض، حي ومتحرك، مختص بجانبي ذاكرة التاريخ الفلسطيني الحديث (أي في القرن العشرين):
الكارثة والنضال، الكارثة أو مأساة طمع الصهيونيين والاستعمار في أرض فلسطين، وتآمرهم لاحتلالها بعد طرد سكانها وإنشاء الكيان المغتصب، ثم توسيعه وتهديده للوطن العربي كله..
والنضال، أو رد الفعل الفلسطيني والعربي الفلسطيني على المؤامرة ومحاربتها بكل الأشكال والأسلحة والميادين، وتقديم الشهداء والأبطال والتضحية بكل غال ونفيس...
المتحف العتيد إذن هو تجسيد عملي للذاكرة الفلسطينية في قرن من الزمان، حفلت كل ساعة منه بالمعاناة والتصدي للمعاناة..
إنه يروي قصة الفعل الصهيوني الاستعماري الاحتلالي، ورد الفعل الوطني الفلسطيني والعربي..
إنه شحذ للذاكرة، وشحن لمفاعيلها، وتفعيل لذاكرة لم تمت، ولمقاومة لا تتوقف..
ولأن المشروع يستحق الاهتمام والدعم، فقد سارعت الهيئة التي شكلتها جمعية التعاون إلى إثارة نخوة بعض أثريائنا الوطنيين، وجمعت في وقت قصير نسبياً حوالي المليون دولار (ستمائة ألف دولار تبرعات نقدية إلى جانب قطعة أرض كبيرة يبلغ ثمنها أكثر من أربعمائة ألف دولار).
ولكن المشروع تعرض لنكسة مفاجئة، تشبه الجلطة القلبية أو الدماغية..
وجماعة أوسلو هم الذين تسببوا في الجلطة لهذا المشروع الثقافي الوطني، الضخم والجليل وواسع الأثر..
كيف..؟
لقد قرروا إقامة متحف فلسطيني تاريخي، واستأذنوا حكومة الاحتلال، ونالوا الموافقة، ولكن سلطات الاحتلال اشترطت (أن لا يحمل المتحف بذور تحريض للناس ضد إسرائيل والصهيونية) -كما جاء في اتفاقية أوسلو واتفاقية نهر واي-
كيف يقام المتحف مع هذا الشرط؟!
وماذا فعلت سلطة أوسلو..؟
ذلك ما سنعود إليه.