من أعمال فاضل الرئيس |
كتبت مروة كريدية: يعكس فن الخط وهو أحد أهم موتيفات الفنون العربية الاسلامية أبعادًا فلسفية وحضارية على حدٍّ سواء، وقد رافقت فنون الخط معظم الحضارات منذ بزوغها وحتى الآن، فيما حظي الخط العربي بمكانة مميزة عند فناني العصر الوسيط لاسيما وان بعض فقهاء الاسلام حرّموا تصوير لشخصيات ورسمها، مما دفع بالفنان العربي الى التوجه نحو بديل فني يتلائم مع روح القوانين المعمول بها فانصبّت الجهود نحو الخط وتزينه واستعماله في جداريات القصور و المساجد.
عمل آخر لفاضل الرئيس |
وفي وقت ازدهر رسم الأيقونات الكنسية لاسيما في القرن العاشر الميلادي حيث ارتبط التشخيص التصويري بالبعد اللاهوتي للمسيح والعذراء والقديسين مما شكل تيّارًا فنيًّا كبيرًا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي احتضنته إيطاليا على وجه الخصوص، نجد أن الفنان العربي قد عمد الى التواصل مع العناصر التراثية الموصولة بالنقش والزخرفة والحروفية والرقش مكرّسًا أيضًا بعدًا دينيًّا يتجاوز الشكلانية.
ومع تطوّر الفنون مزج بعض الفنانيين المعاصرين فن الحروفيات بالفن التجريدي الأمر الذي أضاف بُعدًا "غنوصيًّا" انعكس في لوحات تشكيلية رائعة تنزاح بالناظر عن شكليات الصورة الى البعد الرمزي، فبعد ان كانت لوحات فن الخط في معظمها تعكس آية قرانية أو قولا مأثورًا أو شعرًا أو حكمة لها دلالتها اللغوية والبنيوية الواضحة، اكتسبت الحروفية المعاصرة بعدًا جماليًّا فائقًا من خلال مزج التجريد بالحرف كما اكتسبت بعدًا رمزيًّا عاليا من خلال تحول "الرسم" إلى "رمز" عالي التشفير.
من اعمال عبدالحسين التويج |
ويستمد الخط العربي جوهره الإشاري من النقطة التي منها تتولد صناعة الحرف وإليها تؤول فيما تُشكل "الحركات" البعد الصوتي للحروف، إذ ان الحرف دون حركة يبدو صامتًا تاركًا الباب مفتوحا على مصراعيه لصوتياته الاحتمالية كافة باستثناء الرسم الكتابي القرآني الذي لا يُقبل خارج الظهور العياني للمتحرك والساكن.
فالنقطة أصل كل خط. فما الحرف إلا محلا هندسيًّا لنقطة متحركة، مما يحدو بنا الى استجلاء القيم الكلية من أسرار الحرف كونه الترجمة البصرية للأبعاد الصوتية كما يضفي على القيمة التشكيلية للحرف حضورًا غيبيًّا يجعله فنًا باطنيا مزدوجًا فهو : ظاهر وباطن، متحركٌ وساكن، مرئي وغير مرئي في آن معا...