لفنون الإسلامية معين لا ينضب
فاروق مصطفى: الغرب استلهم فن «الفيروفروجيه» من الخط العربي
| |||
من المصدر © من أعمال الفنان فاروق مصطفى |
تاريخ النشر: الثلاثاء 07 سبتمبر 2010
مجدي عثمان
يتذكر الفنان التشكيلي فاروق سيد مصطفى أيام وليالي شهر رمضان المبارك فترة طفولته في الأربعينيات من القرن الماضي حيث نشأ في شارع الملك في حي حدائق القبة بالقاهرة، ثم انتقل الى حي المطرية. ويقول إن شهر رمضان في تطور عكسي بفعل الزمن بحيث انه كلما تقدم الزمن قلت مظاهر الاحتفال الفنية والشعبية واختفت بعض الطقوس اليومية فيه، وربما يرجع ذلك الى العامل الاقتصادي، كما أن الوضع الاجتماعي وفكرة التعايش والتكافل كانت مطروحة بشدة في الماضي، حيث تفتح الأبواب بين الجيران خلال الشهر الكريم، ويكثر الاجتماع على الإفطار أو السحور. ويضيف أن الصغار كانوا يلهون حتى وقت السحور، ويلعبون ألعابا اندثرت بفعل التناسي والتفكك الاجتماعي والتكنولوجيا، منها “الترة والوزير” و”السبعاوية”، و”الكرة الشراب” والتي كانت الأساس الذي تدرب عليه الكثير من نجوم كرة القدم فيما بعد أمثال صالح سليم وطه اسماعيل ورفعت الفناجيلي وابو رجيلة، وكانت البنات يلعبن “الحجلة ونط الحبل، والهولا هوب” كما كانت المساجد والشوارع تزين بالأضواء والأعلام، ويحدث فرح جماعي كبير طوال الشهر الكريم، قائم على الولائم والاجتماعات والسهر، وتدارس الأمور الدينية. وقال: كنت كغيري من الأطفال اذهب مع والدي الى المسجد، وأشاهد حلقات الذكر واحتفالات الطرق الصوفية.
وشاهد الفنان فاروق مصطفى في صغره خروج المحمل النبوي بعد أن تصنع “كسوة الكعبة” وتحمل على هودج الجمل وسط حشد من الناس الذين ينشدون الأغاني الدينية، وزغاريد النساء، لتأخذ طريقها برا الى السعودية. وشاركه تلك الأحداث والمظاهر عدد من الفنانين من جيرانه في حي المطرية ومنهم الخزاف حسن حشمت، والمصوران يوسف كامل وحسني البناني، والنحات كمال عبيد الذي تتلمذ على يديه فيما بعد، حين التحق بكلية التربية الفنية التي تخرج فيها عام 1968، وأوضح أن تلك المشاهدات كانت الأساس الذي استقى منه أعماله الفنية، بعد أن احترف الرسم.
وقال انه أثناء دراسته الجامعية كان يزور المناطق الأثرية، خاصة شارع المعز الذي يضم الكثير من الآثار الإسلامية، التي ظلت ملامح بيوتها وبناياتها من مساجد واسبلة وخنقاوات وتكايا وغيرها تداعب مخيلته عندما يريد أن ينتج لوحاته الفنية فيما بعد ذلك، واعتبر تلك الزيارات الثروة الكبيرة التي يستلهم منها أعماله التي ترتبط بالتراث الإسلامي، حيث كان يؤكد الأقواس والتفاصيل الأخرى من العمارة الإسلامية التي تظهر في الكرانيش، والنقش أو الحفر على الخشب ضمن التفاصيل التي تحتوي عليها اللوحة أو يحتوي عليها الجزء الذي سوف يستخدمه في اللوحة، ومنها ايضا تفاصيل خرط الخشب في الأشكال الزخرفية أو الهندسية، وتلك الزخارف تستمد من الطبيعة ويتعامل معها الفنان المسلم بتحويرات مختلفة لا تؤثر على القيم الجمالية للشكل الأول المستمدة منه فكانوا يستخدمون اوراق النبات او سيقانه، ومن بعض الورود، إضافة الى الاشكال الهندسية مثل النجمة الهندسية، أو الأشكال الهندسية بالتعشيق. ويوضح أن تلك الفترة كانت مرحلة من الاستقبال والتجريب بالتعامل المباشر مع الأثر الإسلامي والتدقيق في جمالياته ومحاولة استيعاب رؤية الفنان من خلال فن العمارة وما تحتويه من زخارف خارجية وداخلية، حيث كان ينقل الرسوم التحضيرية للأثر، ثم يحققها بعد ذلك في الرسوم الزيتية مؤكدا اظهار الطابع الإسلامي من خلال المشربيات والأبواب القديمة، وتعدد أشكالها تبعا للعصر الإسلامي وطابعه المعماري المتمثل في القباب والأهلة والأقواس والمشربيات والتكوينات المعمارية الأخرى، مؤكدا أننا نعيش في العصر الحديث على اثر التراث القديم، والذي يمكن أن نطور من خلاله افرع الفنون التشكيلية المختلفة.
وقال إن الفنون الاسلامية تميزت عن فنون الحضارات الأخرى بارتفاع قدر ومرتبة الخطوط فيها وسط عالم الزخرفة، ولما شهده الخط العربي من اعتناء نظرا لارتباطه لدى العرب بكتابة القرآن الكريم، وتعددت مظاهر الجمال فيه مع تطور وتغير أشكاله، فقد تطورت الحروف العربية في الخزف والنحت، والتصوير.
وسبق ان قام بتجربة استلهاما من الخط المسمى “طغراء” بعمل أشكال لمناظر طبيعية او سفينة من خلال تكوينات منوعة للحروف العربية وتكرارها، مؤكدا أن فن الحديد المشغول أو الفيرفروجيه ابدعه الغرب من خلال استلهام حركة الحروف العربية، مما يدل على أن الفنون الإسلامية هي فنون أصيلة وليست دخلية.
وقال إن اصل كلمة “طغراء” غير معروف، وقد تكون مشتقة من كلمة “طراغ” أو كلمة” طغراي” كما ذكر محمود بن حسين الكشغري في ديوان “لغات الترك”، وجاء في القاموس “التركي العربي الفارسي” أن الكلمة قد تكون تحريفا لكلمة “ترغاي” التركية الشرقية بمعنى الواقف أو المرفوع أو المنتصب، وقد تكون تحريفا لكلمة “طغرل” بمعنى صقر أو طائر اسطوري كان يقدسه سلاطين الاوغوز والطغراء ظل جناح هذا الطائر وورد في الموسوعة الإسلامية ذكر كلمة “طوغ” بمعنى شعر الخيل وعند التتار هي الشارة من شعر ذيل الحصان ولعل اقدم طفراء عرفت حتى الآن هي صغراء اورخان “1324 -1360 م”.
وأضاف أن الفن الإسلامي امتد مع انتشار الاسلام، وشمل مساحة عريضة من شرق الأرض الى غربها، وعبر الى أوروبا حيث الأندلس وجنوب غرب فرنسا، كما توغل في القارة الافريقية وماوراء النهر، وفي بخاري وتركستان، فجمع العالم المتمدن في العصور الوسطى، ومزج بين تقاليد شعوب العالم القديم والوسيط.
الفن والعقيدة
أكد الفنان فاروق مصطفى تأثر فناني الغرب بالفن الإسلامي وتطوير جمالياته بشكل معاصر، ثم اعادة تصديره إلينا، وقد ساهمت طبيعة الأرض والحياة في الشرق في انتاج الفنان المسلم، اضافة الى الارتباط القوي بين الفن والعقيدة، والتي كانت حافزا للفنان على تطوير أدواته ومعارفه الفنية، وجعلته يستنبط علاقات ومقاييس فنية مختلفة ويقوم بتطبيقها على العمل المراد انتاجه من منسوجات أو خزف أو تصوير أو زخرفة جدارية أو زجاج أو معادن.