16 مخطوطة وأدوات ترميمها وتجليدها في معرض لـ «مركز جمعة الماجد»
العلم في خدمة التراث
| |||
تاريخ النشر: الخميس 09 سبتمبر 2010
عمر شبانة
منذ انطلاق مسيرة مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي في عام 1988، كان اهتمامه الأساس يتركز في جانب معين من التراث، فكانت المخطوطات العربية الإسلامية هي الهدف الأبرز، جمعاً وترميماً وتحقيقاً، ومنذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي بدأ يتعزز هذا الاهتمام، فصارت للتراث ومخطوطاته أقسام عدة، ومن أبرزها قسم الحفظ والمعالجة والترميم الذي جرى تأسيسه في شهر أغسطس من عام 1992. هنا إطلالة على هذا القسم وجهود المركز عموماً.
يُعدّ هذا القسم اليوم من الأقسام المهمة في المركز، فهو معني بكل عمليات الصيانة التي تخضع لها ممتلكات المركز الورقية، والتي تتضمن (المخطوطات، المطبوعات، الوثائق، الجرائد، المجلات، الخرائط)، كما يقوم بتقديم تلك الأعمال للمؤسسات الحكومية والأهلية والأفراد من داخل الدولة وخارجها، ويقوم كذلك بتنظيم الدورات التخصصية في هذه المجالات على تعدد أنواعها الدولية والإقليمية والمحلية، وبتنظيم المعارض الفنية الخاصة بفنون صناعة الكتاب والمخطوط.
وفي هذا الصدد يقول جمعة الماجد: “إن تراثنا الذي أورثا عزاً تليداً، ومجداً فريداً، وحضارة اهتزت لها الدنيا إجلالاً وإكباراً، لما قدمته للإنسانية من معارف وعلوم مختلفة، ونظريات وإنجازات، لم يشهد لها العالم سابقة تحاكيها، هو اليوم حبيس المكتبات العامة والخاصة والمتاحف العالمية المختلفة، من خلال ما يقارب خمسة ملايين مخطوط تنتظر يد محقق تخرجها إلى النور”.
وفي سلم هذه الجهود يندرج العمل الذي قام به مركزنا، بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (isesco ) وجامعة الإمارات..الخ”.
ولذلك ينشط المركز في إقامة الأنشطة المتعلقة بالمخطوطات، فيقيم لها الدورات والمعارض، ساعياً للإفادة من آخر ما بلغه العلم من اختراعات واكتشافات في صناعة المخطوطات والوثائق، ومنها دورة جرت مؤخراً لصقل مهارات المشاركين في ميدان صناعة المخطوط العربي الإسلاميّ، وإذكاء مواهبهم وتبصيرهم بالسبل الحديثة الكفيلة بتطوير صناعة المخطوط والنهوض بها، والتعريف بالمناهج العلمية الكفيلة بحمايته من الغير ومن عاديات الزمن، للإسهام في إحياء تراث الأمة التليد، وليعكفوا على بعثه من رقاد طويل، ليذيع هذا التراث في الدنيا عبق عزتنا، ويحكي للأجيال مآثر حضارتنا.
وتنوعت موضوعات الدورات وورش العمل والمحاضرات فطالت صناعة المخطوطات والوثائق من حيث الفهرسة، والتحقيق، والتخزين، والترميم، وتاريخ الخط العربي، والحفظ والصيانة، والتصوير الرقمي، والإتاحة الإلكترونية، والزخرفة والتجليد، وتقويم المخطوط، وغير ذلك من الموضوعات المهمة. وجمعت بين التدريب العملي والبحث العلمي النظري المنهجي. ونال ترميم المخطوطات وإصلاح ما اهترأ أو تمزق من أوراقها وأغلفتها نصيباً كبيراً من الرعاية والعناية.
وقد عمل المركز على تقديم محاضرات ودورات حول جمع دلائل تقدير عمر المخطوط ومكان نسخه، والحديث عن أنواع الخط العربي، وتاريخ ظهور أنواع الخطوط العربية، والأصقاع التي سادت فيها، ومشاكل بالنَّقط والشكل، وأورد جدولاً بمشاهير الخطاطين، الحواشي والهوامش والسماعات والقراءات القرآنية، بوصفها دلائل تعين على تقدير عمر المخطوط ومكان نسخه، وموضوع التجليد ومراحله الزمنية التي مر بها. والورق وصناعته وأنواعه، والعلامات المائية، والحبر والمداد، والتعقيبات، وسواها.
من الترميم إلى التجليد
من هنا ندخل إلى معرض “صناعة المخطوط العربي الإسلامي من الترميم إلى التجليد”، الذي أقيم في دبي مؤخراً، وبكل ما يحتوي عليه من تنوع وتعدد، فقد توزع المعرض على ثلاثة أقسام، هي: نماذج من المخطوطات العربية والإسلامية حيث شمل حوالي ستة عشر مخطوطاً عربياً وإسلامياً، ترجع إلى فترات مختلفة من التاريخ الإسلامي، القسم الثاني للترميم ومعالجة المخطوطات، القسم الثالث التجليد، واشتمل المعرض أيضاً على مساحة للأدوات والمواد المستخدمة في الترميم كالألياف الطبيعية التي يستخدمها المركز في صناعة الورق المستخدم في ترميم المخطوطات، وكذلك نماذج من ورق الإيبرو وهو فن بدأ ظهوره قبل أربعمائة عام، يتم فيه استخدام الماء والألوان لإنتاج لوحات رخامية تستخدم في تغليف المخطوطات كما يتم عمل لوحات فنية رائعة منها.
في حضرة جالينوس
في القسم الأول، نحن أمام نماذج من المخطوطات العربية والإسلامية، ترجع إلى فترات مختلفة من التاريخ الإسلامي، منها: كتاب الترايـيق لجالينوس، والذي ترجمه يحيى الاسكندراني، وموضوعه الطب وعدد أوراقه 47 ورقة، نسخها أحمد بن علي بن يوسف سنة 995 هجرية، وهي صورة عن النسخة الموجودة في دار الكتب المصرية، والكتاب يتناول جوامع المقالة الأولى من كتاب “جالينوس” في المعجونات وهي التي يذكر فيها معجون الدريات كما توجد به جداول ورسوم توضيحية.
والكتاب الثاني كتاب تشريح العـين وأشكالها ومداواة أعلالها وهو ضمن مجموعة جوامع كتاب جالينوس في الأمراض الحادثة في العين، مؤلفه الكفرطابي، علي بن إبراهيم بن بختيشوع المتوفى بعد 460هـ، وموضوعه الطب، وعدد أوراقه 34 ورقة، نسخه عبد الرحيم بن يونس بن أبي الحسن الأنصاري سنة 592 هجرية. وأصل النسخة موجود في دار الكتب المصرية. والمؤلف عالم بطب العيون من أهل كفرطاب في سوريا، لم توجد في الكتب التي ذكرته وترجمت له معلومات وافية عنه ولا ذكر لتاريخ ولادته ولا لمؤلفاته غير هذا الكتاب.
ويتضمن المعرض لوحة بعنوان “كتاب تشريح الأبدان” للشيرازي، وهو مقسم إلى خمس مقالات في العظام والعصب والعضل والأوردة والشرايين، وتم نسخ اللوحة في عام 813 هجرية، وهناك لوحة باسم قصيدة “ميمية الإبدال” التي تقاس على ستة أوجه، وتقع في 64 بيتاً شعرياً على البحر الطويل، وألّفها أحمد بن ماجد النجدي، ولوحة أخرى بعنوان “شرح مثلثات قطرب” وهو مخطوط جمعه الإمام محمد بن المستنير المشهور بقطرب والمتوفى سنة 306 هجرية، وما يميز هذه اللوحة هو موضوعها النادر والطريف من حيث اتفاق حروفها في الترتيب والرسم، وافتراقها في التشكيل والضبط، في دلالة على اختلاف معانيها ومراميها.
الترميم والمعالجة
المعرض عرض كذلك نماذج أصلية للإصابات التي يمكن أن تحدث للمخطوطات، كما تم عرض نماذج منها بعد العلاج، وأدوات المعالجة، فهناك ورقة من مخطوطة أصابتها الحشرات إصابات بالغة وأحدثت فيها تمزقات داخلية كبيرة، ومعها ورقة أخرى تم علاجها عن طريق الترميم الآلي في قسم الترميم والمعالجة الفنية في مركز جمعة الماجد، الذي يعد من المراكز الرائدة في ترميم المخطوطات في المنطقة.
وهناك نوع آخر من الإصابات تم عرضه وهو التشربات اللونية التي تصيب المخطوطات وتؤدي إلى اختلافات في لون الورقة، وهذه تحتاج إلى علاج كيميائي متخصص، وقد تم عرض ورقة أخرى بعد العلاج تظهر في الورقة بيضاء نقية. ومن الإصابات الأخرى الإصابة بالفطريات التي تتسبب بها الرطوبة الزائدة ولعلاج هذه الحالة يتم التعقيم أولاً ثم العلاج بالطريقة الكيميائية، ومن الإصابات أيضا التي شاهدها الجمهور في هذا المعرض التكسر الذي يصيب الورق بسبب الحبر الحديدي، وهو نوع من الحبر القديم تكون فيه نسبة الحديد مرتفعة وحينما يتأكسد الحديد يؤدي إلى تكسر الأوراق وتفتتها، وتعتبر هذه الإصابة من الإصابات الشديدة التي يصعب علاجها، لذا يتم استخدام الترميم الآلي فيها.
للحديث عن هذا الجانب تبرز أشكال وأنواع من المعالجة والترميم، منها الآلي باستخدام الألياف السيللوزية، ونشير هنا إلى أهمية الترميم الآلي وتطوره والأمور التي يعتمد عليها، وما وصل إليه جهاز الماجد للترميم ومواصفاته وطريقة عمله، والخدمات التي حققها دولياً، وكذلك الأمر في ما يتعلق بنظام حساب الكميات.
النوع الثاني هو المعالجة الكيميائية لأوراق المخطوطات ويتم الحديث فيها عن العوامل التي تعتمد عليها هذه المعالجات، والتنظيف وإزالة البقع، والمنظفات المائية ومحاليل التبييض، وإزالة الحموضة.
وفي الإطار ذاته يجري الحديث عن صناعة الورق الخاص بالترميم اليدوي، حيث يعرض القائمون على ذلك بإيجاز صناعة الورق وأسرارها، وعمليات السقاية والصقل، وبعض القواعد الحسابية الخاصة بصناعة الأطباق الورقية.
أما في مجال مسيرة التجليد عبر العصور، وما كان يطرأ عليها من تطور في التصميم والصناعة والزخرفة، فيمكن الحديث عن فن التجليد في بلاد الشام ومصر، وبلاد فارس وبلاد العثمانيين، بعد قيام دولتهم التي اتسعت رقعتها في المشارق والمغارب وذكر المواد المستخدمة في تجليد المخطوطات.
ويتبع هذا الجانب موضوع ترميم الجلود ومعالجتها، حيث نتحدث هنا عن المعنى العام لترميم الجلود، ومراحل ترميم الغلاف، وإصلاح أركان الأغلفة وترميمها، والطرق الخاصة بمعالجة الجلود القديمة، وهذه كلها تأتي ضمن اختصاصات المركز وإنجازاته القيمة. يعتبر تجليد المخطوطات نوعاً من الأدلة التي تشير إلى عمر المخطوط وتاريخ ومكان نسخه، فقد اشتهرت البلاد الإسلامية والعربية بأنماط مميزة من التجليد، فتم عرض نماذج من التجليد العثماني الذي يعود إلى القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجري، وهناك التجليد المملوكي الدمشقي الذي يتميز بزخارف هندسية انتشرت في القرن الثامن الهجري في دمشق، وكذلك التجليد الفارسي الذي يتميز بالرسومات الفنية الملونة والنباتية، فبمجرد النظر إلى الغلاف يمكن معرفة مصدر المخطوط. وتتم في المركز معالجة جلود وأغلفة المخطوطات ما أمكن، وأما المخطوطات التي ليس لها غلاف فيتم تصنيع غلاف لها يناسب العصر والمكان الذي تنتمي إليه.
وغير بعيد تبرز ضمن أنشطة المركز عملية الحفظ والإتاحة الإلكترونية؛ بما فيها مفهوم الإتاحة الإلكترونية، والتحديات التي تعترض سبلها، ومشكلة استخدام الأوراق، والتصوير الرقمي الذي يقدم الحل الأمثل لها، وكذلك الأرشفة والاسترجاع ومميزات الأرشفة الإلكترونية وفوائدها.