North Lebanon's Official Website - عكار: مساع لترميم الآثار العثمانية في بلدة مشحة بالتعاون مع تركيا
نجلة حمود
عكار: مساع لترميم الآثار العثمانية في بلدة مشحة بالتعاون مع تركيا
عكار:
تحاول بلدة مشحة العكارية استعادة دورها التاريخي، الذي تميزت به على صعيد المنطقة إبان القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لكونها كانت من أوائل البلدات التي تضمّ مدرسة تدرس العلوم الشرعية والدينية والتربوية، واللغتين العربية والتركية. وذلك عبر وجود أهم صروح التعليم فيها وهي «المدرسة الحميدية»، التي أطلق عليها البعض اسم «أزهر عكار»، حيث كان يقصدها العديد من الطلاب من لبنان وخارجه، لينهلوا من علمها ومعرفة أساتذتها الذين كانوا من كبار العلماء.
يعود تاريخ إنشاء «المدرسة الحميدية» إلى العام 1891، بأمر من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، بواسطة محمد باشا المحمد والي دمشق آنذاك. وتميزت بمكانتها ومكتبتها التي أهداها السلطان عبد الحميد 3000 مجلدا من المخمل الأحمر، مختومة بالطغرة السلطانية العثمانية ومطعمة بالذهب. وحظيت المدرسة بمرحلة ذهبية، حيث كانت منارة يقصدها كبار العلماء، ومن أبرزهم الإمام محمد عبدو، والشيخ المفكر محمد رشيد رضا، والمؤرخ المحدّث محمد العربي العزوزي المغربي، والمفتي الشهيد حسن خالد. ويذكر أن أبرز من تولى إدارتها وعلّم فيها العلامة الشيخ محمد الحسيني، والعلامة محمود الرافعي، والعلامة محي الدين الخطيب.
لذلك كله، تحاول بلدية مشحة اليوم إعادة البلدة إلى خارطة المناطق اللبنانية التي تضم آثاراً عثمانية تاريخية، وإدراجها ضمن النشرة السياحية الخاصة بالآثار. وتطرح البلدية مشروعا متكاملاً لتغيير وجه الحي الذي تقع فيه تلك الآثار. وذلك عبر التقدم بطلب إلى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، وسفير تركيا في لبنان إينان أوزيلدز، لرفع الموضوع إلى الجهات المعنية في تركيا، وعلى رأسها «إدارة التعاون والتنمية التركية - تيكا»، بهدف ترميم المدرسة والمباني المجاورة، التي تعرضت للتشويه والإهمال على مرّ السنوات، وهي عبارة عن جامع ملاصق للمدرسة وسبيل ماء، إضافة إلى المطالبة باستملاك الأراضي المجاورة، لإنشاء مواقف للسيارات، ومكتبة، وملاعب، ومسكن للطلاب.
ويتحدث رئيس بلدية مشحا المهندس زكريا الزعبي عن «الدور التاريخي الهام، الذي لعبته المدرسة الحميدية على مدى عقود من الزمن. فقد كانت من أهم المعاهد العلمية في الشمال. وذلك ما تبرزه الوثائق التي تدل على أنها خرجت في الماضي الكثير من العلماء والمفتين والأدباء على كامل مساحة لبنان والساحل السوري لولاية طرابلس الشام». ويلفت إلى «ضرورة المحافظة على ذلك الإرث الثقافي والحضاري، الذي كان يعدّ من أبرز صروح التعليم الديني والمدني منذ تأسيسه، وإعادته إلى ما كان عليه في السابق، خصوصاً بعد تعرضه للتشويه وأعمال التخريب على مرّ السنوات الطويلة»، مشيراً إلى «أن المدرسة، ظلت مفتوحة بعد انقضاء العهد العثماني وحتى بداية الحرب العالمية الثانية. وقد جرت محاولات متكررة لترميمها وإعادة دورها التربوي، حيث قام وفد من أبناء البلدة في الثمانينيات بالسفر إلى الكويت وجمع التبرعات وإعادة ترميمها، لكن للأسف لم يكن الترميم وفقاً للمواصفات الهندسية المطلوبة، ما شوّه سقف المدرسة وهندستها المعمارية الجميلة. ومما زاد الوضع سوءاً استخدام المبنى كمدرسة خاصة، وفق عقد إيجار من قبل بعض الجمعيات».
ويتحدث الزعبي عن «أن البلدية عمدت إلى التقدم بكتاب الى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني لمطالبته بترميم وتجهيز المدرسة الحميدية، وتخصيصها كفرع لجامعة بيروت الإسلامية ـ كلية الشريعة، إضافة إلى طرح فكرة استملاك العقارات المجاورة للمدرسة، والبالغ عددها ثمانية عقارات بمساحة 5400 ألف متر مربع، والتي أبدى أصحابها استعدادهم لبيعها للأوقاف، بهدف إنشاء مبنى متكامل يضم ملاعب ومسكن للطلاب ومواقف للسيارات».
أما بالنسبة للعلاقة مع الدولة التركية، فيؤكد الزعبي «أننا التقينا رئيس اتحاد بلديات بورصة التركية، وشرحنا له الموضوع ووعد بنقل مطلبنا إلى «تيكا» التابعة لرئاسة الوزراء، وبإرسال فريق من المهندسين المتخصصين للاطلاع على المبنى. كما رفعنا كتابا الى السفير التركي إينان أوزيلدز تمنينا فيه المحافظة على التراث المشترك، وإحياء العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين، خصوصاً أن البناء مسجل لدى وزارة الخارجية التركية من ضمن لائحة المباني العثمانية التي تم إحصاؤها مؤخراً في لبنان».
ويلفت الدكتور خالد تدمري إلى «ضرورة ترميم الآثار العثمانية الموجودة في بلدة مشحة وعلى رأسها المدرسة الحميدية لإعادتها إلى سابق عهدها، واعتمادها كصرح تربوي إسلامي أسوة بأزهر البقاع وبيروت، خصوصاً أن عكار تفتقر لمراكز تعليم أصول الدين»، مشيراً إلى «أن المبنى تاريخي، وجزء كبير منه محافظ على آثاره المعمارية، بالرغم من تعرض الجزء العلوي للتشويه»، متحدثاً عن وجود «مساع جدية لترميم المدرسة والجامع الملاصق لها بمساهمة من إدارة التعاون والتنمية التركية، وعلى غرار ما تقوم به من ترميم التكية المولوية في طرابلس».