جريدة الدستور || شربل داغر يدعو لإعادة الفن الإسلامي إلى سياقه الاستعمالي القديم
| |
عمان - الدستور - عمر أبو الهيجاء
التاريخ : 13-12-2012ألقى الشاعر والباحث اللبناني د. شربل داغر، مساء يوم أول أمس، محاضرة بعنوان «الخطاب عن الفن الإسلامي: قراءة نقدية»، في المركز الثقافي الملكي، وأدار المحاضرة وقدم المحاضر الشاعر والفنان التشكيلي محمد العامري، بحضور أمين عام وزارة الثقافة مأمون التلهوني، وعدد من المثقفين والفنانين والأدباء. المحاضرة، التي أقيمت بدعوة من وزارة الثقافة، استهلها د. داغر بالقول: «بعد قراءة نقدية وتاريخية، لمتن الفن الإسلامي كما صاغه دارسون أوربيون وغربيون، يتبين أن البوابة الفعلية لدرس هذا الفن لا تتعين في مدرسة أو جامعة في فاس، أو في بغداد، أو في سمرقند، وإنما في بوسطن أو باريس أو لندن. وأنا، في هذا، أميز بين الفن في ذاته، إذا جاز القول، والفن في الخطاب. فلحظة البداية هي لحظة الافتراق واقعاً، ولكن بعد أن أعملت الفكر طويلاً في الخطاب المتوافر علمياً عن الفن الإسلامي. وتوقف د. دارغر في المحاضرة عند ست مسائل تلخص مقاربته النقدية لدرس الفن الإسلامي، وهي: التمييز بين الفن والخطاب عن الفن، وإعادة الفن إلى سياقه الاستعمالي «بالاختلاف مع متحفيته الحالية»، وموضعة الفن في إنتاجات الثقافة وحاجات التداول، والفن الإسلامي بوصفه «فن أمة» بالمعنى الديني كما الحضاري، و»الكتاب» بوصفه مثال الفن، والفن بين الكتابي والتصويري. ولفت د. داغر النظر إلى أن المسألة الأولى لا تميز تماما، بل تخلط بين الفن نفسه وبين الخطاب عنه، ولا سيما في الفن الإسلامي، فما يقدمه لنا الخطاب عنه هو جزء من وجوده المادي القديم كما حفظ، وعرض أحيانا بخلاف ما كان عليه في وجوده السابق، فالصورة في مخطوط الواسطي، على سبيل المثال، هي جزء من الكتاب، فيما تعرض صور الواسطي كما لو أنها منفصلة، شبيهة بمنطق اللوحة، وليس وفق حسابات الواسطي الفنية الجمالية. كما دعا د. داغر إلى إعادة درس الفن الإسلامي إلى سياقه الاستعمالي القديم، وليس وفق منطق المتحفية الحالية له، وهذا يعني، كما يقول، أن الفن الإسلامي كان له وجود نوعي، وقد اختصر، بالقول إنه يقع بين المسجد والقصر، أو باختصار أكثر بين القرآن والترف. وأكد المحاضر أن الفن الإسلامي خضع لاعتبارات دينية أكيدة، لكنه لبى أيضا حاجات الحاكم في الحكم، وفي إبراز قوته وهيبته ونفوذه، لهذا فإن بعض الفن الإسلامي فن بلاطيّ، أدى وظائف في زينة الانسان في بيته، في متاعه، وهو بذلك فن الترف أيضا، وقد واجهت الدارسين مشكلة وضع تاريخ للفن الإسلامي، حيث اعترف بعجزه عن كتابة هذا التاريخ أكثر من مؤرخ، مثل: أولغ غرابار. وأضاف د. داغر: أعتقد أن هذا الأمر يعود إلى أن هؤلاء الدارسين درسوا هذا الفن مقتطعا من تاريخه الاجتماعي والثقافي والجمالي، وما تنبهوا إلى كتابات بالعربية، كان لها أن تعينهم وتساعدهم في الفهم والتفسير، كما تولدت مشاكلهم من عدم إدراكهم لطبيعة الفن الإسلامي، وهي أنه كان «فن أمة»، ما يعني أن هذا الفن كان يستلهم القرآن الكريم ولكنه يلبي أيضا احتياجات حضارية، بدليل أن صناعا غير ملمين شاركوا في إنتاجه، وهو ما يدعو على ما اقترح في التفسير من حيث النظر إلى مسألة «الكتاب»، بوصفه مثالا للفن الإسلامي، بل أرى شيئا مزيدا على ذلك وهو أن هذا الفن يمتاز عن غيره في أنه يقيم علاقة خصوصية للغاية بين الكتابي والتصويري، هذا ما نجده على سبيال المثال في بعض أفعال العربية التي تشير إلى البصر، حيث تقول العربية: نظر إلى الشيء كما تقول نظر في الشيء، ورأى الى الشيء ورأى في الشيء، والعربية في ذلك تشير الى استعمالات كانت رائجة، وتتحدث عن الرؤية بالمعنى البصري وبالمعنى العقلي في الوقت عينه، فهي ثقافة تريد احلال المعرفة عند متأدبيها. وبيّـن المحاضر أن ثقافة العربية «كان طموحها الأبد، حتى أن الفن نفسه كان يوظف أدواته، بمعنى ما، لتلبية حاجات هذه المعرفة، وهذا ما يصح في كثير من الصور التي صاحبت الكتب القديمة، من كتاب «الحيل»، إلى مقامات «الحريري»، وما أريده من ذلك لا يتعين في المحاكمة ولا في إطلاق الإحكام، وإنما ما أطلبه هو الدرس، بل صحة الدرس للفن الإسلامي، ذلك أنه لا يستقيم في اعتقادي إن لم يتم إنزاله الى حيث كان في جوده المادي والاستعمالي السابق، وفي تعابير الثقافة القديمة، وفي تمثلاتها القيمية، وفي الحاجات النفوذية والرمزية التي استدعته وطلبته. |