الثلاثاء، 1 فبراير 2011

Dar Al Hayat - 012322b .jpg

Dar Al Hayat - 012322b .jpg
«محكي، مخفي، معاد»... دعوة الى فهم محيط الإنسان: التأمل في هوياته بكسر الحواجز مع الزمن والحدود
الأحد, 23 يناير 2011
الدوحة - رنا نجار
تستقبل الدوحة على كورنيش البحر الجميل، وعلى بعد أمتار من المتحف الإسلامي الضخم، 23 فناناً معاصراً من أصول عربية يُقيمون في مدن غربية وعربية، ليرووا قصصاً قد تكون شخصية أو عامة استخدم فيها الزمن عنصراً تكوينياً في أعمالهم التي جمعت في معرض بعنوان «مَحكي، مخفي، مُعاد». وتشكّل أعمال المعرض المستمرّ حتى 28 أيار (مايو) 2011، مجتمعة، رواية طويلة أو فيلماً تتقاطع فيه الشخصيات والأحداث.

ففي الردهة تطالعك 3 مداخل للمعرض المصمّم بحرفية تضاهي حرفية أهم المعارض والمتاحف العالمية. هناك باب الى اليمن كتب أعلاه «محكي»، وهو يضم أعمالاً لغادة عامر وأكرم زعتري وقادر عطية وصادق كويش الفراجي وعادل عابدين وجعفر خالدي وخالد تكريتي. والى اليسار تطالعك أعمال لأحمد السوداني وعبدالقادر بن شمّة ومنير فاطمي وآمال قناوي وبثينة علي وحسن خان وزينب سديرة وستيف سابيلا، تحت عنوان «معاد». أما في الوسط فستذهب في رحلة الى ما يخفيه المستقبل تحت عنوان «مخفي» حيث وضعت أعمال لارا بلدي ومروان سحمراني ويوسف نبيل ويونس رحمون ووفاء بلال ولميا جريج ووليد رعد وخليل رباح.

ويمكننا القول إن «محكي، مخفي، مُعاد» حقّق في الدوحة هدف الفن المعاصر ألا وهو كسر الحواجز مع الزمن والحدود الجغرافية، كونه جمع الفنانين في مساحة مفتوحة للتعبير عن تداخل الثقافات بين الماضي والحاضر والمستقبل المتخيّل، فأتت أعمالهم لتُثبت تحرّرهم من التصنيف العنصري الذي يضعهم تحت خانة جنسياتهم من دون النظر الى ما اكتسبوه من ثقافات متعدّدة أين ما سافروا وعاشوا وتعلموا، وتأثروا بمحيطهم. وبذلك يكون هذا المعرض الضخم دعوة الى التفكير بالهويات الكثيرة التي ينتمي إليها كل إنسان وكل فنان في العالم. وهو دعوة الى فهم الفنان في محيطه الخاص لفهم اختياره للموضوع أو شكل العمل. فالحدود الجغرافية التي كان يصنَّف على أساسها الفنانون، مُحيت اليوم بفضل الثورة التكنولوجية وسهولة السفر.

يقول سام بردويل الذي تعاون وزميله تيل فلراث على ابتكار فكرة المعرض وتنظيمه وتنفيذه، وهما ناشطان يعملان بين الشرق الأوسط ومدريد وبرلين، إن التحضير للمعرض بدأ قبل سنة. ويضيف: «طلبنا من 23 فناناً عربياً معظمهم يقيمون في أكثر من مدينة، أن يُخبروا قصة. واكتشفنا أن الرحلة هي الموضوع الذي تكرّر بين الفنانين من دون قصد. لذا صمّمنا تيل فلراث وأنا، المعرض بثلاث أبواب كأنه 3 رحلات». ويشرح بردويل أن هؤلاء الفنانين في ترحال دائم. وعندما ترحل تترك الكثير من الأشياء وراءك. وهكذا أنت تتذكر، تجمع، تعيد بناء، وفي الوقت نفسه تعيد ضبط نفسك وتوجيهها. وهذه الأفعال جميعها هي التي تجعل الوقت منسوجاً بصورة معقدة. ولذلك فإن هذه الرحلات لم تقع فقط في مكان محدّد بل كذلك في زمان محدّد، وهذا ما يفسر لماذا يكون الوقت غالباً، عنصراً تشكيلياً مهماً في أعمال الفنانين في «محكي، مخفي، معاد». ويفيد بردويل بأن هذه الأعمال التي تتراوح بين الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي، الى التجهيزات الفنية والفيديو والوسائط المتعدّدة، «تعكس رحلات الفنانين المستمرة بدلاً من مجرد أعمال ترتبط بالتأمل الجمالي. فهي تجسّد الأفعال المرتبطة بالترجمة والتنقل والتحول والتي تكون مرادفة لواقعنا اليوم. فهؤلاء الفنانون حددوا نقطة تحوّل من عصر ما بعد الحداثة، الى واقع التحوّل الحديث الجديد».

الماضي المحكي

في جولة بين الأعمال التي يصعب الحديث عن كل واحد منها نظراً الى كثرتها، يمكن أن ينبهر الزائر بهذه الابتكارات البعيدة كل البعد من المبتذل والعادي التي قلّما نجدها في منطقتنا والتي يحتاج تنفيذها تمويلاً ضخماً وهو ما أمّنته بكل سرور هيئة متاحف قطر. فمنذ دخولك تطالعك منحوتة المصرية غادة عامر المقيمة في نيويورك التي اختارتها أن تكون كروية غير متجانسة الشكل، لتنقش عليها مئة عبارة باللغة العربية مرادفة لكلمة حبّ. وعندما يدخل الزائر الى الغرفة يصبح جزءاً من المنحوتة التي ينبعث منها نور ساطع يلقي ظلاله على جسده وعلى الجدران المحيطة، عندما يسير حول الكرة. ويشعر كأنه يدور حول العالم وحول نفسه، كأنه في متاهة. ولمَ لا تكون متاهة الحب؟

وتلفت لوحات السوري المقيم في باريس خالد تكريتي بعنوان «أجيال» نظرك، خصوصاً أنها تشبه مسلسلاً لمراحل زمنية تتقاطع فيها المشاهد والأحداث. وتكريتي معروف باحترافه الانتقال بين الزمان والمكان عبر الأبعاد الثلاثة. وتعكس لوحاته هنا فهمه للمدن المعاصرة كبوتقة يستطيع المرء أن يتابع فيها ما هو تافه ومستحدث وأن يعيش لحظات استنباط داخلية على حدّ سواء. ويقول تكريتي لـ «الحياة» ان «هذه الأعمال مستوحاة من تجارب الحياة اليومية التي تستولي عليّ برمّتها وأنا أسير في شوارع باريس وأتفحّص واجهات المخازن وأراقب الناس وأفكر بعائلتي». وتجسّد لوحاته أيضاً الزمن كشكل، إذ تتبنى شخصياته المنمطة في مراحل حياتها على طريقة غوغان، مفهوماً حول الهجرة المعاصرة يعتبر أن الزمن لا وقع له. وهنا يتصادم الماضي والحاضر في صورة مستقبلية خيالية تعلن عن حال كونية من التنقلات الأبدية.

وبين تمجيد الديكتاتور وتمجيد الحب، يذهب العراقي المقيم في هلسنكي عادل عابدين في عمله التركيبي ليحوّل الأغاني التي تمجّد الرئيس المخلوع صدام حسين الى أغانٍ تحمل رموزاً للإثارة. يدخل الزائر ممرّاً ملتوياً وهو يسمع الأغاني العسكرية التي كانت شائعة خلال نظام «البعث». تتلاشى الأغاني رويداً رويداً، كلما اقترب الزائر من الباحة الرئيسة حيث تعرض 3 شاشات عملاقة 3 أفلام فيديو على جدار دائري. يصوّر كل فيديو مغنيّة اختارها عابدين لتكون فائقة الجمال كممثلات هوليوود، لتؤدي هذه الأغاني بطريقة مثيرة بأسلوب الكاباريهات. ما يولّد ضرباً سوريالياً بين كلمات الأغاني وطريقة العرض البصرية المثيرة. ويشرح عابدين لـ «الحياة»: «كنت طفلاً عندما بدأت أسمع الأغاني وأفهمها التي كانت تطغى في الأجواء العراقية. وعندما كبرت، تغيّرت علاقتي معها، وبعد 1991 بدأت أعي أن لهذه الأغاني غرضاً واحداً وهو تمجيد الديكتاتور. واعتقدت في حينه أنه من الممكن التلاعب بالكلمات والصور كما يُتلاعب بنا كمواطنين. وفي عملي هذا أنظر الى الإرهاب والحب من خلال الأغنية كوسيلة. واستخدمت الصورة النمطية للشقراوات لأداء 3 أغانٍ كتبت بتكليف من صدام نفسه. وطلبت من الفنانات الأجنبيات الثلاث تأدية الأغاني على أنها للحب، من دون أن أشرح لهن معناها. وفي هذه الصور والكلمات، وضعت الواجهة والحقيقة بمحاذاة فهمنا الخاص للقدر الذي يمكن أن نكون فيه متلاعباً بنا».

ومن قصة عابدين التي تنتقل من الخاص الى العام، نصل الى الى قصة اللبناني من أصل فلسطيني المتنقل بين بيروت ودبي جعفر خالدي، بعنوان «التلاشي». تصوّر مجموعة لوحات خالدي الشاحبة الألوان الشبيهة بالباستيل، مراحل مختلفة من من قصة عائلته التي يشعر الناظر إليها كأنها صور من ذكريات طفولته هو. كان والد خالدي يعيش في الخمسينات من القرن الماضي في مخيّم للاجئين الفلسطينيين في بيروت، وفقد الأمل بالعودة الى فلسطين. فناضل ليتعلّم ويصبح مدرّساً مرموقاً في الجامعة الأميركية في بيروت. وتظهر لوحات خالدي حياة عائلته في بيروت خلال قمة ازدهارها في الستينات. ويروي عبر سلسلة لوحات قصة تتحدى الاكتمال بينما تحضّ على الشعور بالحميمية. وهي رسومات مثلاً للعائلة مجتمعة في السيارة حيث ترتسم الضحكة على وجه قائد الرحلة وهو الأب. وفي لوحة أخرى، رسم لأمه وأبيه في كازينو لبنان بأجمل حلّة... وهنا يجسّد خالدي توق الإنسان الكوني الى الشعور بالانتماء من خلال عرض انتمائه أمامنا.

نصل الى مصر حيث تصوّر المصرية المقيمة في القاهرة آمال قناوي تحت خانة «معاد»، مأزقاً اجتماعياً متفجراً وهو الفقر، من خلال جرّة الغاز التي نجدها في كل بيت مصري. فهي تضع جرات الغاز فوق بعضها بعضاً في علبة حديد، محشورة كما يُحشر الفقراء في أزقتهم وأحيائهم المكتظة. والى جانب هذا التركيب الفني، تعرض قناوي التي حازت أخيراً جائزة بينالي القاهرة، شريط فيديو تتدحرج فيه جرّة الغاز الزرقاء على الأرض كأنها الفرد المصري الفقير الذي يُرمى أرضاً ولا يسأل عنه أحد، لكنه لا ينفكّ يناضل ليرفع نفسه الى أعلى السلّم الاجتماعي، لكنه لا ينجح. وفي الصور الفوتوغرافية الأخرى المعلّقة في المساحة المخصّصة لقناوي، حمار يجرّ عربة أنابيب الغاز، وصورة مقابلة لرجل أشيب يجرّ أنابيب غاز أخرى، كأنه يجرّ جماهير صامتة، كما تقول قناوي. وهنا يمكننا اعتبار عملها المركب هذا، بطريقة غير متسلسلة وبحلقات فيديو متكرّرة، وسيلة لتجميد الزمن لنشعر بقوّة حضوره وبتكبيله لنا ومنعنا من المضي قدماً الى الأمام.

موقف مناهض لأضرار العولمة

اختار فنانون مثل يوسف نبيل وبثينة علي وزينب سديرة ومروان سحمراني اتخاذ موقف مناهض لأضرار العولمة. وذلك ليس من خلال التمسّك بهويات محدّدة ومسطّرة، بل من طريق فهم فكرة الفن القادر على التعبير عن «شكل الترحال» والبعد الزمني الذي تقطنه الرحلات بدلاً من الوجهات التي تجرى في ما بينها هذه الرحلات. ويقول يوسف نبيل: «في باريس كنت محاطاً بالفرنسيين وفي نيويورك بالأميركيين، لكنني كنت دائماً أشعر بأنني مصري أين ما ذهبت. أعيش مع أناس لا أعرفهم ولا يعرفونني. كنت أشعر بأنني لا أملك مكاناً ولا عنواناً وبأني أنهيت حياتي...». في تكبّله ضمن حال عدم الاستقرار هذه، أنتج نبيل فيلم فيديو ومجموعة من المطبوعات الفوتوغرافية تعبّر بحماسة عن هذا التأرجح بين الماضي والحاضر وبين المحلي والكوني.

وترى بثينة علي في عملها «لماذا؟» أن «إطلاق الناس في الهواء هو وسيلة للطيران ولكنهم في نهاية المطاف سيحطون مجدداً بطريقة أو بأخرى. حتى وإن اختاروا أن يتم إطلاقهم، هل يشعر الجميع بحرية الطيران؟ هل نستطيع أن نشعر بحرية التحليق هذه عندما نغادر تاركين ذكرياتنا وراءنا؟». تعبّر علي عن معضلة الهجرة الدائمة ذاتها كما يفعل نبيل، بتحويلها لعبة المقلاع «النقيّفة» المطاطية الى رمز للهجرة القسرية. فهي تسعى إلى التقاط الهويات المشتتة، المقذوفة في سياقات استلابية. يتألف عمل علي التركيبي من 22 مقلاعاً من الإسمنت تراوح ارتفاعاتها من 77 الى 200 سنتيمتر. المقاليع مضاءة وتنتشر في أنحاء قاعة مظلمة كما تتخذ اتجاهات مختلفة. الجزء المطاطي منها مسحوب الى الخلف بدرجات توتّر متفاوتة تعكس كل منها مع أحجامها، نسبة الهجرة القسرية في كل بلد من البلدان العربية الاثنين والعشرين.

... من المستقبل للعودة الى الحاضر

في الوقت الذي يتّخذ فيه بعض الفنانين الماضي كنقطة انطلاق للتواصل مع الحاضر ومع مستقبل محتمل يبني آخرون صروح مستقبل خيالي ويرجعون به الحاضر. وقد يفهم هذا النهج خطأ كاستخدام مبسط للحنين والخيال، لكنّ هذين النوعين من البناء موجودان الى حدّ ما في الكثير من الأعمال المعروضة في «محكي، مخفي، مُعاد».

تواجهنا الفنانة اللبنانية لميا جريج في عملها التركيبي المتعدّد الوسائط «بيروت، تشريح مدينة»، من خلال مجموعة كبيرة من الوثائق وأفلام الفيديو، بسعيها الى بناء تاريخ بيروت. هذا العمل الأرشيفي المختصّ بمدينتها الأبدية بيروت والذي تتميّز فيه جريج، عمل مضنٍ وأهميته باستمراريته. وهي في كل عمل تُنجزه تأخذنا في رحلة الزمن تقترح علينا فيها، صورة متجذرة في ماض أعيد بناؤه كما في مستقبل خيالي. وتقول جريج في كلمتها التعريفية للعمل: «تبدو عملية جمع تاريخ بيروت تقتصر على الحصار والاحتلال والكوارث الطبيعية وما الى هنالك. عملية حساسة، حيث يولّد تراكم هذه الأحداث شعوراً بالقلق من زوال المدينة... يقودنا بحث مكثّف في النصوص المرجعية، التي تمتدّ من قصص الرحلات الى روايات المؤرخين وفرضيات علماء الآثار، الى إدراك وجود ثغرات كثيرة وحلقات مفقودة في تاريخ بيروت». وتشير جريج الى أن هذا المشروع «يقترح تسويات ممكنة بين مهمة عالم الآثار ومهمة الشاعر، بين الصور الحديثة والنصوص القديمة. وفي وسط قصص الفتوحات والهزائم التي رسمت معالم بيروت (أو شوّهتها) يجول المرء بين القصص المسرودة التي تبرز استحالة بناء تاريخ عظيم».

حاملة طائرات... وطن بديل

حوّل الفلسطيني خليل رباح الذي يعيش في رام الله، نموذجاً بالحجم الطبيعي من سفينة هي حاملة طائرات عسكرية، الى مزرعة ومصنع لإنتاج دبس أو معجون البندورة (الطماطم) ومربى الفراولة (الفريز). يشبّه رباح شكل حاملة الطائرات بقطاع غزّة الذي تطبّق فيه قيود على تصدير الطماطم والفراولة. في المساحة المخصصة لعمله، يضع مرطبانات مربى الفراولة وعلب دبس البندورة على رفوف كما توضع في الـ «سوبر ماركت»، ليأخذها الزائر معه. وفي قاعة مجاورة علّق رباح لوحة ضخمة تصوّر إعلاناً دعائياً لهذه السفينة المحوّلة الى مصنع. وهذا العمل هو جزء من مشروع مستمرّ لرباح بعنوان «المتحف الفلسطيني للتاريخ الطبيعي وتاريخ البشرية» ولعمله الآخر «الخطوط الجوية للولايات المتحدة الفلسطينية»، وهو تعليق روائي مرير على واقع الأراضي الفلسطينية المحتلة والافتقار الى الحكم الذاتي. ويمكنني القول إن رباح تجاوز في هذا العمل الحدود بتخيّله تماماً مفهوم «المجموعة» وبإبرازه «تحفة العرض» التي يجسّدها نموذج حقيقي من حاملة الطائرات العسكرية (USPC). لكن يبقى السؤال هل يمكن هذه السفينة حاملة الطائرات أن تكون وطناً بديلاً يطرحه علينا الفنان؟

وفاء بلال... الكاميرا عين ثالثة

يمشي الفنان العراقي وفاء بلال المولود في الكوفة والمقيم في نيويورك، والناس تلتفت إليه مندهشة بما يضعه في رأسه. أينما حلّ هو موضع علامات استفهام. لكن في حفلة افتتاح المتحف العربي للفن الحديث، صارت الناس تهرب منه. «هذا هو هذا هو»، تقول صبية لصديقتها. وتضيف: «اهربي كي لا تظهري في الصورة». فتردّ الصديقة ذاتها بلغة فرنسية: إنه أغرب شيء رأيته في حياتي. لا يفهم المرء في البدء ماذا يحصل حتى يشرح بلال الموضوع بحدّ ذاته.

فقد عُرف بلال ابن الأربعين سنة، باستخدام جسده على الانترنت كجزء لا يتجزّأ من أعمال التركيب المتعددة الوسائط الجديدة والتفاعلية التي ابتكرها، «أعمال التركيب بالفيديو» كما يصرّ على تسميتها. ويفيد بأنها «تعطي مستوى آخر من التأثير يتعدى محتوى الصورة». ويقول بلال الذي يحمل شهادة ماجستير من جامعة نيومكسيكو في الولايات المتحدة، في الفنون والتكنولوجيا، أن مشروعه هذا بدأ يخطط له عام 1991 حين اضطرّ الى مغادرة منزله في النجف بسبب الحرب. «كنت أرى الدخان والدمار بأم عيني. كنت أحترق من قهري. وتمنيّت يومها لو أملك كاميرا لأصور كل لحظة من تلك اللحظات. وعندما صار بإمكاني أن أصوّر، صرت أختار لحظات معيّنة تمثّل رؤيتي الشخصية للأشياء كي ألتقطها. ونجحت في مشروعين هما «أطلق على العراقي» وألعاب فيديو يتسابق فيها اللاعبون لقتل بوش بعنوان «جهادي مرئي»».

وفي عمله الذي يأتي في خانة «مخفي» في المعرض، وبعنوان «العين الثالثة»، دفع بلال بحدود فنّه الى أبعد بكثير من محتوى الصورة الذي تكلّم عنه. فهو أخضع نفسه، على طريقة الفنانة أورلان، الى عملية جراحية لتركيب كاميرا في رأسه من الخلف. ويؤكد: «أردت أن تكون الصور أكثر موضوعية. أردت أن أصوّر ما لا أرى، كي أُري الناس ما لا أراه».

وهذه الكاميرا أو «العين الثالثة» كما يسميها، مبرمجة إلكترونياً لالتقاط صورة كل دقيقة. ترسل هذه الصور تلقائياً الى مركز معلوماتي وتنتقل عبره لتعرض على مئات الشاشات داخل غرفة التركيب الفني في المعرض. وكما لو أن هذا التعقيد ليس كافياً، جهّزت هذه الغرفة بأجهزة استشعار تلتقط أي حركة وأي صوت يصدر عن الزائرين. وبذلك يصبح لكل مظهر من مظاهر وجودنا في هذا المكان تأثير مباشر على كيفية بثّ الصور وعرضها. ولا نستطيع أن نعرف ما هي الصور المتأتية من العرض الحيّ وما هي الصادرة عن المركز المعلوماتي الذي خزّنت فيه مئات الآلاف من الصور حتى تلك الساعة. فتصبح طاقتنا هي المنتج النهائي ويتلاحم الماضي بالحاضر. وعندما نغرق في هذا الطوفان الحسي يكون الحلّ الوحيد للهروب من هذه العين الثالثة، الموجودة في كل مكان، هو أن نتحكم بالعملية بأنفسنا وذلك عبر بناء قصة غير موجودة. يصبح هذا العمل الفني محاولة لإلقاء نظرة الى ما مضى وتحسّس حاضر لا يمكن فهمه، نتج من ماض لم يتوقف بتاتاً عن التوسّع. ويختم بلال حديثه: «عبر هذا النوع من العمل والحوارات الناجمة عنه، فإن أملي تعزيز الإحساس بالقدرة الذاتية لدى جمهوري لمواجهة الشعور بالضعف إزاء الظلم».

أرشيف المدونة

المسجد النبوي الشريف - جولة إفتراضية ثلاثية الأبعاد

About This Blog


Labels