الخميس، 3 فبراير 2011

تونس :: الصّحافة: من الإفصاح في التعبير إلى عالم زخرفي ساحر

كتب محرر دار الغربة : مقال قديم لكن أنشره لأهمية  الكلام عن سياسة الاستعمار الفرنسي في  توجيه الفن والكلام عن أعمال المستوطنيين, والكلام عن نوع من المقاومة والتمسك بالتراث.
الصّحافة: من الإفصاح في التعبير إلى عالم زخرفي ساحر
مائوية علي بن سالم (1910 ـ 2010)


من الإفصاح في التعبير إلى عالم زخرفي ساحر



يتواصل معرض الفنان الراحل علي بن سالم احتفالا بمائوية ميلاده الى يوم 22 جانفي وذلك بقصر خير الدين، هذا الفضاء الجميل الذي منحته بلدية تونس مؤقتا وطيلة المعرض الى وزارة الثقافة.
بحضور جمهور كبير من الفنانين وهواة وأحبّاء الفن التشكيلي دشّن السيد عبد الرؤوف الباسطي وزير الثقافة والمحافظة على التراث المعرض يوم 29 ديسمبر 2010 وقد طبع دليل بالمناسبة يحتوي على غالبية صور المعرض وعلى نصّ للسيد الوزير ونصّ آخر للسيدة ناريمان بن رمضان يمكن أن يلمس القارئ من خلالهما المسيرة الطويلة للرسام والمراحل التي مرّ بها.
وقد أوضح السيد الوزير أنّ هذا المعرض يندرج في اطار السنّة التي أرساها الرئيس بن علي والمتمثلة في تكريم المبدعين الذين ساهموا بكتاباتهم أو بأعمالهم في الحفاظ على الخطوط الأساسية والمرجعيّة لهويتنا الثقافية وعملوا على تنميتها.
المعرض يضمّ 140 لوحة منها 63 على ملك وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، 2 بلدية تونس ـ 5 ديوان الصناعات التقليدية فيما ترجع 70 لوحة الى خواص من جامعي اللوحات. هذه المرّة لم نلاحظ لوحات مزيّفة.
يعتبر علي بن سالم (1910 ـ 2001) الى جانب عمّار فرحات (1911 ـ 1987) ويحيى التركي (1901 ـ 1969) وحاتم المكّي (1918 ـ 2003) كأحد أهم روّاد الفنّ التشكيلي في تونس حتى وإن كان قد عاش في السويد لفترة طويلة فقد كان على اتصال ببلده.
خلافا لمعاصريه من الفنّانين التونسيين لم يكن علي بن سالم ميّالا لفنّ المستوطنين الذي كان استمرارا للفنّ الاستشراقي لكن بأقل مهارة تقنيّا. ولا بدّ من الإشارة الى أنّ الحركة التشكيلية في تونس التي كان يهيمن عليها المستوطنون لم تكن تواكب التطور الذي كان يحصل في فرنسا وبقيّة العالم، لم يكن لإنجازات بيكاسو ودوشان وكلي وكاندينسكي أي صدى في تونس وهذا الأمر يحتاج الى دراسة لكن الذي يفهم من ذلك هو أنها سياسة أرساها المستعمر لإبقاء الفنّان التونسي محدود الرؤيا. منذ بداياته في الرسم في الثلاثينات كان علي بن سالم واعيا بدوره كفنّان يرنو الى البحث عن تعبير خاص به يستمده من التراث المحلي ومن فنّ المنمنمات.
ما أنتجه علي بن سالم في الثلاثينات لم يكن يستجيب لأصول التراكيب الكلاسيكية الغربية ببنائها ومنظورها. وكان علي الدوعاجي قد كتب في سنة 1936 في جريدة الزمان رقم 325 «.. بهرنا السيد علي بن سالم بلوحاته التي رسم فيها الحياة التونسية بطريقة الشرق، وسلك في فنّه طرق الفرس واليابان التي تتوخّى الدقة في الأداء والإفصاح في التعبير...».
غالبية أعمال الثلاثينات تصور الحياة اليومية للعائلة التونسية وكذلك الحركة في الأسواق والمهن المختلفة والتقاليد الشعبية «كأمّك طانغو».
في إحدى لوحاته المؤرخة في سبتمبر 1935 والتي رسم فيها علي بن سالم مجموعة من الشخوص: أحد عشر في الجملة واقفون ويحتلون ثلث مساحة اللوحة فيما كانت الأرضية هندسة معمارية بالمدينة العتيقة وقد ركّز فيها على جزئيات تخطيطية زخرفية لشبابيك حديدية وبعض النباتات. على يسار اللوحة في الأسفل قطّ أسود يتجه الى اليمين انجاز المساحات كان على طريقة المنمنمات، مسطحة وغنيّة بالألوان، تعبير الوجوه كان على طريقة الرسم العفوي، من بين الشخوص عسكريين ببدلة داكنة، تذكرنا الصورة باللوحة الشهيرة لرامبراندت «La ronde nuit» مع اعتبار فارق التصور والتقنية والعصر.. اذا كانت طريقة التلوين بالمسطحات تحيلنا الى المنمنمات فإنّ التكوين فوق المساحة لا يستجيب لتلك التراكيب المقننة في المنمنمات حيث نجد الشخوص والأشكال المهمّة منظمة مع نسق خطّ لولبي ويبدو في لوحة علي بن سالم أنّه قد يكون حاول توزيع اللون الأحمر بطريقة خلق بها ايقاعا أدخل حيوية في اللوحة.
الخط اللولبي الذي يعتمد في بناء المنمنمات يخلق توازنا في اللوحة ويجمع شتات الأشكال المبعثرة.
وفي مرحلة موالية انطلق علي بن سالم منذ أواخر الثلاثينات وبداية الأربعينات في رسم ملامح المرحلة الأخيرة وذلك برسم الخيول والشخوص والزهور في أجواء غرائبية مضيفا اليها زخارف تتمثل خاصة في نقط تتوزع على اللوحة، لم يعد دقيقا في رسم الشخوص بل يعمد الى المبالغة في رسم أعضاء الجسم.
أمّا المرحلة الأخيرة والتي يمكن القول بأنّها تمثل فرحة الحياة، وقد غلبت عليها الزخرفة والتكرار لم نتصور أنه بعد تلك البدايات الجريئة والمتمثلة في اتخاذ موقف من الرسم الاستشراقي أنّ علي بن سالم سيكون في النهاية مزخرفا يعيد ويكرّر نفس الأشكال لمدة أربعين سنة وفي اعتقادنا أنّ أبرز فترة عانق فيها بن سالم المعاصرة هي تلك الفترة الانتقالية المتراوحة بين سنتي 1938 و1942.
من جهة أخرى وفي مرحلته الأخيرة التي يسمّيها خليل قويعة «فردوس الخلود» نتأمل جيّدا ملامح الوجوه فلا نجد فيها ما يعبر عن الفرحة والسرور، فهي في حالة تأمل وحزن وقلق والسبب قد يكون دراما داخلية عاشها علي بن سالم في الستينات حيث توفي نجله في السويد اثر حادث عنصري، ولا شك أن هذا الحادث كان له تأثيره على نفسه كما انعكس الحزن والقلق على شخوصه رغم ما في اللوحات من بهجة من خلال الألوان والعلامات والايقاع والحركة.
تأملنا جيدا في المائة وأربعين لوحة المعروضة بقصر خير الدين والتي تشمل كل المراحل التي مرّ بها علي بن سالم فلاحظنا ان ذلك الحزن على وجوه الشخوص يشمل كل اللوحات باستثناء ثلاثة او أربعة نلمس فيها ابتسامة خفيفة لحسناوات علي بن سالم. انها بحق تراجيديا داخلية مزمنة كان يعشيها رسامنا الذي يمكن ان تنطبق عليه مقولة محمود المسعدي «الادب مأساة اولا يكون» لعل الفن عموما مأساة او لا يكون.
هذا المعرض الشبه الشامل والذي شاهدنا فيه عديد الاعمال الجديدة التي جعلت الكثير يعيد النظر في تقييمه لعطاء علي بن سالم ومساهمته في اثراء التراث التشكيلي التونسي يمكن الجزم بعد مشاهدة الرسوم الخطية الممضاة من سنة 1933 الى 1938 انه كان سباقا في استيعاب الاساليب الجديدة في الرسم الخطي للبورتريه والتي صاغها بيكاسو وماتيس والتي تعتمد الاختزال في الخطوط. البورتريه الذي امضاه بن سالم سنة 1933 والذي يمثل رجلا مسنّا صاغه بن سالم كما يقول الدوعاجي «بدقّة في الأداء وإفصاح في التعبير» وهذا الرسم الخطّي يحيلنا الى من جاؤوا بعد علي بن سالم منذ أواخر الأربعينات وحتى الخمسينات وتوخوا نفس الطريقة في الرسم الخطّي التي استوعبها رسّامنا مبكرا ونعني هنا بالخصوص: عبد العزيز القرجي والزبير التركي.
أملنا أن تجمع هذه الأعمال في متحف خاص بها أو أن نرى الأعمال التي تبلغ 63 لوحة التي تملكها الدولة في المتحف الوطني الذي قد يرى النور في العقود القادمة. كما ننهي هذا المقال بالتذكير بأن رساما كبيرا ومسرحيّا كان له دور في الحركة المسرحية في تونس ومصمّم ديكور نهض بهذا الاختصاص في التلفزة التونسية توفي منذ سنة 2004 ولم يهتمّ لا المسرحيون ولا التشكيليون بذكراه إنّه الحبيب شبيل.






ابراهيم العزّابي

أرشيف المدونة

المسجد النبوي الشريف - جولة إفتراضية ثلاثية الأبعاد

About This Blog


Labels