الاثنين، 3 يناير 2011

يوسف ذنون.. خبير الدنيا بالفنون الإسلامية - الشيخ عبد السلام البسيوني - مدونات وآراء - أون إسلام.نت

ذنون.. خبير الدنيا بالفنون الإسلامية (عبد السلام البسيوني) - الشيخ عبد السلام البسيوني - مدونات وآراء - أون إسلام.نت


http://www.onislam.net/arabic/blogs/sheikh-abdul-salam-albasiouny/127084-2010-12-13-10-35-03.html
ذنون.. خبير الدنيا بالفنون الإسلامية (عبد السلام البسيوني) الاثنين, 13 ديسمبر 2010 00:00



الشيخ عبد السلام البسيوني
ربما لا تعرفه قارئي الكريم، ربما لم تسمع به – بحكم اهتماماتك – لكنني أعتقد موقنًا أنه واحد من النوادر الذي أنجبتهم الأمة، والذين يملكون كنوزًا معرفيّة هائلة القيمة، سواء في ممتلكاته النادرة، أم في ذاكرته الحافظة، أم في خبرته الفذة!.
هو واحد من آباء صحوة الخط العربي التقليدي في السنين الثلاثين الأخيرة، ففي سبعينيات القرن الماضي كان اليأس قد تسرب إلى نفوس الخطاطين، وعشاق الفنون الإسلامية، من استمرار فن الخط، واعتقد كثيرون أنه في طور الانقراض، بعد موت العمالقة حليم وحامد الآمدي في تركيا، وهاشم البغدادي في العراق، وبدوي الديراني في سورية، ومحمد حسني في مصر، وأبناء جيلهم، لكن جَلد "يوسف ذنون" ومجموعة أخرى من الصادقين دفعت بالفنون الإسلامية عامة - والحرف القرآني خاصة - للنهوض، من خلال المحاضرات والأمشق والمسابقات التي تجلت أهمها في مسابقات "إرسيكا" - مركز الأبحاث للفنون والتاريخ والثقافة الإسلامية في استانبول- والتي أفرزت بحق أجيالاً غير مسبوقة من العمالقة الشباب، الذين بعثوا الفن الجميل الجليل عملاقًا وثابًا طموحًا بديعًا!.
وكان يوسف ذنون وراء المسابقة، وشروطها، واختياراتها، والتحكيم فيها؛ خصوصًا في بداياتها قبل الانطلاق، ثم في دوراتها الأربع الأولى.
مخزن الخبرة والمعرفة
هو مخزن خبرة، ومكتبة متحركة، ووعاء معرفة فريدة، يستطيع أن يحدثك عن خطاطي الدنيا في القديم والحديث بشكل مدهش، ويمكنه أن يؤرخ لأي حدث فني، وأية مدرسة إبداعية، وأية لوحة جميلة، وأية موتيفة زخرفية، بشكل جامع مانع، بحيث تقتنع أنه لا أخبر منه ولا أبصر في المعاصرين بتاريخ الفن وأحواله!.
يمكنه أن يحدثك في الخط ومدارسه، والزخرفة وأساليبها، والتذهيب وإبداعاته، والفنون البابلية والآشورية، والكلدانية، والكنعانية، وفي المخطوطات، واللوحات، والسجاد والـ.... بمنتهى الحرفية والوعي والاقتدار.
وكان هذا من أسباب إطلاق لقب أمير الخط العربي عليه، من عدد من الباحثين الأكاديميين كالدكتور إبراهيم خليل العلاف والدكتور ليث الطعان!.
بدأ الطريق من أوله تأملاً، ودرسًا، وتمرسًا، وسافر في أرجاء العالم الإسلامي ناهلاً، ومتأملاً، مصاحبًا مشاهير كل دولة، مستفيدًا من تميز كل مدرسة، وكانت أهم سفرياته إلى تركيا بمعالمها العثمانية الشماء النبيلة، والتصاقه بالجداريات العبقرية الهائلة في المساجد الكبرى؛ بخطوطها وزخارفها وعمارتها وسجادها، وزجاجها المعشق، وتلاوين الأرابيسك وأعمال الصدف على الأبواب والمنابر والدكك، ودار في متاحفها مأخوذا مذهولاً بروعة الميراث الذي خلفه عظماء الخطاطين العثمانيين، ودفعه عشقه إلى دراسة ما وقع تحت يديه منفردًا من كراريس ونماذج خطية، متأثرًا بمحمد عزت أفندي رحمه الله وحليم والآمدي وكثيرين غيرهم.
عرف في مصر الخطاط الكبير محمد حسني (والد سعاد حسني ونجاة الصغيرة) ومحمد إبراهيم، ورضوان، وعبد القوي، ومحمود الشحات، ومكاوي، وصولا إلى أستاذي الذي تعلمت عليه يديه فن الخط مذ كنت في الثانية عشرة؛ الأستاذ محفوظ الجمل.
شرفني بزيارة في العمل ذات مرة، وحان وقت صلاة الظهر، وكان في مكتبي سجادة صلاة فريدة، غالية جدًّا - ولا يدرك قيمتها إلا خبير - فبسطتها لنصلي عليها، إكرامًا له، فلما قضينا الصلاة، قال لي: هذه السجادة قيمة وغالية جدًّا/ فسألته: بكم في رأيك؟/ على الأقل بمائة ألف ريال؟/ كيف عرفت؟/ عدد العقد في البوصة المربعة، ونوعية الخيوط، وسمك الفتلة، وطبيعة الزخرفة عليها، وأشياء أخرى! واندهشت، لأن كثيرين دخلوا مكتبي، وهي فيه مهملة، فلم يلتفت أحد لها!.
من أين يأتي بهذه الدقة، ودقة الملاحظة، واستيعاب الأرقام، والتواريخ، والفروق، والمزايا، والنوعية، والجودة، والقيمة؟.. كيف يقدر عمر المخطوطة، وقيمتها، وخصائصها، وقيمتها التاريخية والفنية والمادية؟.. كيف يقدر أن هذا العمل أصلي أو مقلد، وحيد أو معدَّد، سبحان المعطي المنان.
ذنون الأديب الإنسان
وليس المهم في يوسف ذنون أنه يعرف، بل أهم من هذا تواضعه الشديد، وأدبه الجم، ورفقه الشديد، وبساطته العالية، فهو دائمًا مبتسم، وهو دائمًا مرحِّب، وهو دائمًا طلق الوجه، متهلل الأسارير بابتسامة أبوية دافئة، يرحب بك زائرًا، ويفاجئك بالزيارة متواضعًا، وفي الأحوال كلها لا بد أن تخرج منه بفوائد، تزحم فكرك؛ لكثرتها وثرائها وندرتها.
يعشقه الخطاطون في العراق، خلال الأربعين سنة الفائتة، لأنه - تقريبًا - أبوهم الفني والروحي جميعًا؛ من فنه تخرجوا، ومن معينه نهلوا، ومن توجيهه تحركوا.. كتب عبد الإله الصائغ قصيدة عنه في ديوانه: سنابل بابل، يقول فيها:
ذات شروقٍ/ امتاز الكونُ فكوِّرتِ الأشياء/ وانثالت من آصرة الجوزاء/ قطرةُ ماء/ نزلتْ في رحمِ امرأةٍ/ حتى طلعتْ زهرةُ بيبون!
ذات صباحْ/ امتاز الكونُ فَسُمِّيَتِ الألوان/ وتَمَلْمَلَتِ القممُ الحبلى/ وتنفستِ القيعان فكان البحر/ وكان المدّْ وكان الجَزْرْ.
ألقى الموجُ إلى الرملِ محارًا أبيض/ فاندلقَ الدُّرُّ المكنون!
ذاتَ ضحىً، امتاز الكونُ / ارتجفت زوبعةُُ الأسماءْ
صوتٌ مقرورُ النبراتْ/ نادى: يا أسماء/ يا أشياءْ/ ظمأُ الطوفان/ سيمرَُ على تلِّ الرحمةْ/ حَجَرًا للنصلِ المسنونْ
يا عشاقَ الوطنِ اتحدوا/ من فيض الفيض ستندون.
ذاتَ غروبٍ نسمتْ أشذاء الفجرْ/ فرأيتُ الشمسَ بلون الشذرْ
تنبغُ من قارورةِ تِبْرْ
يا كلماتُ ارتجليْ شيئاً مثل الشعر:
الليلةَ يوسف ذو النون/ يسقيكِ نبيذ َ العُمْرْ/ من سورةِ حِبْرْ!
مسيرة حياته
ورد عنه في موسوعة "أعلام الموصل" في القرن العشرين للعلامة الدكتور عمر محمد الطالب:
ولد يوسف ذنون عبد الله 1932 في محلة باب الجديد، ودخل مدرسة ابن الأثير للصغار عام 1939، ومنها إلى مدرسة باب البيض للبنين عام 1942، والتحق بالمتوسطة الغربية عام 1945 ثم المدرسة الإعدادية المركزية وتخرج فيها عام 1950 ملتحقًا بالدورة التربوية ذات السنة الواحدة بالموصل، وتخرج فيها عام 1951، عين معلمًا في مدرسة المحلبية عام 1951 وانتقل إلى مدرسة حمام العليل عام 1956 فمدرسة ابن حيان عام 1958، ثم انتقل إلى مركز وسائل الإيضاح بعد افتتاحه، ومنه إلى متوسطة الوثبة عام 1960 درس على آثار علماء الخط العربي، ونال الإجازة من الخطاط التركي حامد الآمدي عام 1966 وحصل على تقدير منه لبروزه في مختلف فنون الخط.
درس في معهد المعلمين بين عامي 1962-1969 الخط العربي والتربية الفنية، ثم انتقل إلى ثانوية الرسالة، وأصبح مسؤول الخط العربي في النشاط المدرسي، وأصبح مشرفًا تربويًّا للتربية الفنية عام 1976 وقد ساعدته مثابرته وعمله السياسي مع القوميين العرب على التقدم السريع، وكان يعد واحدًا من الخمسة البارزين في هذه الحركة في العراق: عبد الباري الطالب، وحسين الفخري، وسالم الحمداني، وغانم يونس، وهو. وأحيل إلى التقاعد عام 1981.
وعقد ندوات ومحاضرات في تاريخ وتطور الخط، وأقام دورات عامة لتعليم هذا الفن الإسلامي بالموصل، وله آثار فنية في الخط واللوحات على كثير من الكتب والمجلات، كتب لوحات وأشرطة 188 جامعًا، وأقام معارض في الخط العربي ودرب طلبته على الخط منذ عام 1962، ويسهم هو وطلابه في معارض بغداد منذ عام 1972.
كُرم من قبل رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر عام 1972 بمناسبة إقامة معرض الخط العربي الأول ببغداد، وشارك في تأسيس جمعية التراث العربي في الموصل، وهو عضو في جمعية الخطاطين العراقيين، وعضو فخري في جمعية رابطة الخريجين لتحسين الخطوط العربية في مصر.
من مؤلفاته: درس التربية الفنية 1965، خلاصة قواعد خط الرقعة 1971، الخط الكوفي 1972، مبادئ الزخرفة العربية (التوريق) 1972، تحسين الكتابة الاعتيادية 1978، قواعد خط الرقعة 1978، قواعد الخط الديواني 1978، الواسطي موصليًّا 1998.
وله بحوث ومقالات نشرها في الصحف والمجلات وألقاها في المؤتمرات والندوات التي شارك فيها والمحاضرات العامة التي ألقاها عن الخط العربي في الجامعات والمعاهد والأكاديميات.
ومن تلامذته العراقيين: علي حامد الراوي، وإياد الحسيني، وطالب العزاوي، وباسم ذنون، ومروان حربي، وعمار عبد الغني، وجنة وفرح وفريال العمري.
وكتبت عنه عشرات المقالات والدراسات والكتب، ومنها ما كتبه الأستاذ فوزي سالم عفيفي في مصر حول تاريخ وأعمال يوسف ذنون، وسعيد الديوه جي: يوسف ذنون مدرسة الإبداع في الخط العربي، وصدر عنه عدد خاص من مجلة حروف عربية (يوسف ذنون: فنان الخط وفقيهه) بتقديم الباحث العراقي الدكتور ادهام حنش.
دمت للعراق
قال عنه عبد الإله الصائغ:
(يوسف ذو النون خطاط نعم! فنان نعم! عاشق مدمن نعم!.
وماذا بعد؟.. يوسف ذنون ظاهرة كبرى في عدد من الفنون العصية الجميلة!.
وماذا بعد؟.. يوسف ذنون فنان باتساع هذه الكلمة وعمقها وطهرها وإعجازها!.
وماذا وماذا؟.. يوسف ذنون عاشق أدمن عشق الله، وعشق عباد الله، وعشق آلاء الله؛ فكان آيةً في السمو الصوفي والزهد القدسي!.
يوسف ذنون ليس مدرسة؛ بل هو أكاديمية، يتخرج فيها الطلبة، مبهظين بشهادة الأخلاق العليا، والمعرفة المثلى!.
حين التقيته للوهلة الأولى انطبعت صورته في ذاكرتي: كان نحيلا وسيما غضيض الطرف، خفيض الصوت، فيه حياء الأولياء؛ بحيث لا ينظر في عينيك بل يرسل طرفه إلى يديك غالبا! وحين تثني عليه يحمر وجهه ارتباكًا، ويتفصد عرق جبينه حياءً وتواضعًا!.
فأي سنخ من الرجال الأسطوريين هذا العالم؟.
بسرعة البرق بتنا أصدقاء؛ يزورني في الكلية وفي بيتي ويريني أفانين من معجزاته في الخط!.
فوجئت - وأيمن الله - أن يوسف ذنون مثقف كبير – والكلام للصائغ - بسعة عمالقتنا طه باقر، ومصطفى جواد، وفؤاد عباس، وحسين أمين، وعبد الرزاق محيي الدين!.. عالم بكل المعنى دون نقصان، يحدثك عن تشريح الفن فتصعق!، ويشرح لك دلالات التماثيل في الحضر وآشور، فتقول في نفسك: وكيف حصل على هذا الكم والنوع المعرفيين دون أن ينوء به أو يداخله خيلاء الزهو؟.
وهو يحفظ نصوصا كثيرة وطويلة من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، وأخبار الخلفاء الراشدين، والصحابة والشعراء والمؤرخين؛ بما يتصل بفن الخط!، فإذا حدثك عن تاريخ الخط العربي أذهلك استيعابه للرقُم الطينية المكتشفة في العراق واليمن والأردن وبلاد الشام!، وتتبعه التاريخي المنهجي، مع نقدات بنيوية لتراثنا الخطي، فلا تمل الإصغاء إليه؛ فهو لا يسمعك ما في الكتب، بل يجعلك في مكتشفاته وابتكاراته ونقداته.. وهذه سمة معروفة عنه!.
شهادة لله إن الفنان العظيم يوسف ذنون كنز عراقي لا يقدر بثمن، وقلما يجود الزمان بأمثاله! فليبقك الرب سيدي الأستاذ يوسف ذنون معافىً مبتهجًا مضيئًا مغدقًا كما نشتهي.)
من آرائه
• اللغة هي الكلام المسموع، والخط هو الكلام المنظور، فاللغة والخط صنوان، ومما يؤسف له أن كثيرًا من الجهات الأكاديمية أو المؤسسات الأكاديمية لا تلتفت له!.
• الكتابة بدأت ونشأت كفن قبل الإسلام، وجاء الإسلام ليؤكد هذا الفن.
• بدأ الخط العربي لما بدأ في مكة المكرمة، وحينما أُنزل القرآن على الرسول - صلى الله عليه وسلم - استقدم كُتَّاب مكة ليدونوا القرآن الكريم.
• حينما عَمَّر سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه المسجد النبوي وضعت فيه كتابة في جدار القبلة، وهذه الكتابة هي أساس الكتابة الفنية التي فيما بعد تطورت وصارت منها أنواع الخطوط.
• انتبه الأتراك إلى أن الخط هو فن قومي بالنسبة لهم، وأنهم يجب أن يستعيدوا العناية به، بعد أن بدأ العرب ينتبهون له.
• تميزت الزخرفة عند العرب والمسلمين بميزة لا يمتلكها شعب آخر.
• سارت الزخرفة الهندسية وتقدمت بشكل عجيب في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
• حول الفنان الزخرفة النباتية إلى زخرفة مجردة، خلقت عالمًا نباتيًّا جديدًا، وارتبط الخط بالزخرفة، فصارت عنصرًا أساسيًّا فيه. فالخط والزخرفة وجهان لعملة واحدة.
• هناك خطاط، وهناك خطاط فنان، فالخطاط: هو الذي يجيد الخط بقواعده المعروفة، والفنان: هو الذي يجيد الخط، ولكنه يخرجه بشكل مبدع.
• أسهمت الآلة في إبراز خطاطين كبار، ومع ذلك تبقى الآلة آلة، والخطاط له روح تنعكس على خطه.

أرشيف المدونة

المسجد النبوي الشريف - جولة إفتراضية ثلاثية الأبعاد

About This Blog


Labels