إعادة افتتاح مسجد السليمانية في اسطنبول بعد 3 سنوات من العمل المتواصل لترميمه بكلفة 15 مليون دولار – مصور
مع تكبيرات صلاة عيد الأضحى المبارك تنسّم الآلاف من الأتراك في إسطنبول عبق تاريخهم المجيد وحضارتهم الزاهية وهم يؤدون الصلاة لأول مرة منذ 3 سنوات في جامع السليمانية التاريخي والذي يضم إلى جانبه ضريح مؤسسه السلطان سليمان القانوني وعدد من أفراد أسرته ويعتبر مسجد السليمانية ثاني أكبر جوامع اسطنبول ، وأحد الآثار الإسلامية الخالدة بعد إعادة ترميمه.
وقد افتتح الجامع للصلاة في عيد الأضحى بعد 3 سنوات كاملة من العمل الشاق والمتواصل بسواعد 200 شخص، ما بين مهندسين معماريين وفنانين وخطاطين ومؤرخين وخبراء ترميم وعمال، وبميزانية 21 مليون ليرة تركية (نحو 15 مليون دولار أمريكي)، رصدتها المديرية العامة للمؤسسات لإعادة البريق للجامع الذي ينظر إليه على أنه نموذج للفن المعماري التركي ذي المذاق الخاص.
وقد بني الجامع في عهد السلطان سليمان القانوني في الفترة من 1551- 1558 على يد الفنان المعماري الشهير معمار سنان- رئيس المعماريين في الدولة العثمانية لمدة خمسين عاماً، ومؤسس الهندسة العثمانية الكلاسيكية.
ومن مميزات الترميم أن قبة الجامع، المحاطة بالعديد من القباب الأخرى الصغيرة، تم دعمها بحيث باتت مقاومة للزلازل المعتادة في تركيا حتى 8 درجة على مقياس ريختر. ويبلغ ارتفاع القبة 53 متراً، وتقوم على أربعة أعمدة هائلة يُطلق عليها اسم “أقدام الفيل” لسمكها وضخامتها، في تناسق لافت مع مكونات البناء.
والمسجد المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي له أربعة منابر، وتشير مآذنه الأربعة إلى أن السلطان سليمان القانوني هو الحاكم الرابع في إسطنبول. أما الشرفات العشر الموجودة في كل مئذنة فتشير إلى أن سليمان القانوني هو السلطان العاشر في الدولة.
ويمثل الجامع العصر الذهبي للعمارة العثمانية بأعماله الهندسية وعناصره المعمارية وأبوابه البرونزية ونوافذه الزجاجية ذات الشبابيك الحديدية.
وجلبت قطع المرمر المستعملة في بنائه من جزيرة مرمرة والجزيرة العربية واليمن، وهو يلمع بزخارف ملونة كثيرة وكتابات من خط أحمد قرة وحسن شلبي، أشهر الخطاطين في العهد العثماني آنذاك.
كما أن جدران الجامع مزينة بآيات من القرآن الكريم كتبت بخط جميل يليق بأن يكون نموذجاً واضحاً لفن الخط التركي، وربما يكون هو أحد الأسباب التي قيلت على أساسها العبارة الشهيرة إن القرآن الكريم نزل في الحجاز، وقُرئ في مصر، وكُتب في إسطنبول.
ويذكر البروفيسور خسرو صوباشي، المسئول عن مشروع الترميم، أن المشروع تدارك خطأ عمره 150 عاماً؛ حيث أن آية من آيات القرآن التي تزين القبة الرئيسية سقط منها حرف الهاء سهواً من الخطاط عبد الفتاح أفندي، وتمت إضافة الحرف بعد دراسة لأكثر من 30 خطاً لاختيار الخط الأنسب والأكثر تطابقا مع الخط الأصلي.
والجامع الذي يقع على تل خلف جامعة إسطنبول ويطل على مضيق أمينونو، ملحق به مكتبة ضخمة معروفة باسم مكتبة السليمانية، تحتوي على نحو 70 ألف مخطوط، 80% منها باللغة العربية، وفي القديم كان مجمعاً ضخماً يمثل الوظائف الاجتماعية والثقافية والدينية والعلمية الحقيقية للمساجد في الحضارة الإسلامية؛ حيث كان ملحقاً به مدارس لتعليم القرآن الكريم والحديث، ومستشفى، ومدرسة للطب، ومدرسة إبتدائية، ومطعم لتقديم الوجبات للفقراء، ودار لرعاية العجزة، ودار للضيافة، فضلاً عن الحمامات العثمانية الشهيرة.
وتوجد روايات كثيرة بشأن جامع السليمانية. من ذلك أنه حصل توقف في بناء الجامع وفي تلك الأثناء ظن شاه إيران أن ثمة أسبابًا مادية عطلت بناء الجامع، فأرسل كمية من المجوهرات إلى المعماري سنان، فغضب السلطان سليمان القانوني لذلك وأعطى المجوهرات إلى المعماري سنان، وطلب منه وضعها بين الحجارة. وتقول الروايات إن هذه المجوهرات مخفيّة اليوم تحت إحدى مآذن الجامع.