الأربعاء، 6 مارس 2013

لبناني يجمع النحت والحفر في أكثر من 100 منحوتة,- جريدة الشرق الأوسط

لبناني يجمع النحت والحفر في أكثر من 100 منحوتة,

لبناني يجمع النحت والحفر في أكثر من 100 منحوتة
القطعة بنظره «لغة» العناد.. والحجر بات عنده «ينطق»
سعيد بحمد أمام إحدى منحوتاته («الشرق الأوسط»)
المدفع الأثري الحجري
بيروت: مازن مجوز
يعكس أزميله رؤية فنية مختلفة مكنته من إنجاز أكثر من مائة منحوتة من الصخر، بأشكال وأحجام متعددة، محولا إياها من صخور صماء إلى تحف ناطقة، غالبا ما تحمل هدفا، لاعتباره أن النحت هو رسالة يجب أن توظف في خدمة قضية، لذلك نحت «الأسر والحرية» لأبناء فلسطين. ما يميز النحات سعيد قاسم بحمد عن غيره أنه جمع النحت واللون والحفر معا، وهذا يجعلك أمام فن من نوع آخر، إبداع ناطق جسدته طريقة نحته التي ابتعد فيها عن التقليد من دون أن ينسى محاكاة الطبيعة في العديد من لوحاته ومنحوتاته.
ما إن تطأ قدماك منزل ابن بلدة أنصار (جنوب لبنان)، حتى تستوقفك مجموعة من المنحوتات الحجرية على رأسها «المزهريات، والفخاريات، والنرجيلة، والمدفع الأثري، والشمعدان»، بأحجام كبيرة تشكل كل منها وحدة متناسقة الشكل واللون والدلالة.
ويقول بحمد في حديث لـ«الشرق الأوسط» من داخل منزله الذي حوله إلى متحف له تحت وطأة ظروفه المادية: «أنا أنحت اللون بالريشة، والخشب بالدقة، والصخر بالنطق، أنحت ما لا يفكر به غيري، حين نحت النرجيلة والفانوس وحتى المدفع شعرت أنني قمت بإنجاز عبقري».
وبصلابة الصخر يتابع: «بينما ينهمك الآخرون بأحاديثهم خلال سهرات الشتاء، أغوص أنا في عالم فني الخاص، فأنجزت الشمعدان الحجري خلال أسبوعين، وكذلك النرجيلة حيث اكتملت دائرة منظومتي الفنية قبل عشر سنوات، إضافة إلى جرن الكبة، والأزهار، والآيات القرآنية، وتمثال الحرية، والعبودية، والأسر بالنسبة لفلسطين، وهذا ما أضفى لونا آخر على فني».
داخل أرجاء المنزل وخارجه تتوزع منحوتات بحمد، كنافورة المياه المنحوتة بأزميله الفني المتعددة الأشكال، التي توحي للزائر بأنها فعلا وجه من وجوه الحياة القروية.
يرمي بكلماته على نقوشاته الخشبية التي تقارب الـ20 مجسما من لوحة عملاقة من الحروف النافرة الصغيرة لآيات قرآنية، إلى أصغرها حجما «علاقة مفاتيح»، فضلا عما يقارب نحو 10 لوحات تحاكي الطبيعة.
ويعتبر بحمد أن النحت «باب للهروب إلى الإبداع والتفرد»، حتى بات الحجر يشكل عنده لغة ناطقة، رغم قساوته على يديه، وفي ذلك يؤكد: «لن أدعه يغلبني، تحديت قوته، فالمنحوتة هي لغة العناد».
تعددت الوسائل والأساليب الذي يعتمدها في فنه، وتنوعت الأفكار الذي يطرحها، وإن بقيت مقتضبة ولكنها تنم عن إبداع، فـ«النحت يعلمك معنى الصبر، ويعلمك بعد الخيال، أنا أنحت مجسمي في مخيلتي بداية، وحين أحمل أزميلي أشعر أن ما أريد نحته مكتمل» يوضح علاقته بفنه.
أما دخول بحمد عالم النحت على الخشب فكان صدفة مستذكرا ذلك بقوله «لم أتعلمه، ولم أدرس أصول النحت، لكن ذات يوم قررت تقديم هدية مميزة لأحد أصدقائي، فوجدت نفسي أحفر اسمه على الخشب بشكل عفوي، كان ذلك قبل أربعين عاما».
بعدها ما لبث النحات الستيني أن اكتشف موهبة الرسم لديه، وأيضا عن طريق الصدفة، حين كان في إحدى المكتبات، وإذ بأحد الرسامين يشتري ألوانا وريشة، فكان تطفله سيد الموقف، حيث «سألته كيف لي أن أرسم لوحة؟ فكان جوابه طريقا لرسم عدد من اللوحات التي تحاكي القرية، والأرض، والحصان الذي يعني لي الإصرار والاندفاع» يعود بحمد إلى بداية انطلاقته مع الرسم.
شارك بحمد بمنحوتاته ولوحاته في معارض متعددة، أقيمت في بيروت وصيدا وصور، وفاز بالجائزة الثالثة عن فئة النحت في مسابقة أقامتها السفارة الإيرانية، من بين 24 دولة، وتلك كانت المرة الوحيدة التي فاز فيها.
وردا على سؤال يجيب: «ندرة الأموال تعوق تحقيق حلمي منذ عشر سنوات، وهو أكبر لوحة فسيفسائية، عنوانها وألوانها من حبوب الأرض، حلمي أن أرسم الفلاح في أرضه، يحرثها عبر ثورين، وبقربه نسوة تزرع وتنقب الزرع».
ولكي تكون إبداعية ومتميزة، سيحرص بحمد على استعمال كل أنواع الحبوب، كالقمح، والعدس والأرز والشعير، وكل ألوان الحبوب، وهذا لم يسبق لأحد أن نفذه، وفق تعبيره.
ولأن فرخ البط عوام، يكمل ابن بحمد صلاح مسيرته وإن بطريقة مختلفة يشرحها بقوله: «أنحت الحروف والكلمات في الصخر بالحجم الصغير والنافر، ولكن بشكل فني إبداعي، لذا أمضي ساعات مع الحجر، أدخل في حوار معه، أدفعه ليتكلم، وأعطيه روحا»، وهذا بنظره يجرد الصخرة من عبودية الصمت لتنطق فنا.
تتركز منحوتات بحمد الابن على بعض الفوانيس الصغيرة وعلى مجسمات تحاكي قضية فلسطين وعلى عدد من الآيات القرآنية.
ويلفت بحمد إلى أن الفن سبق الكلمة تاريخيا في التعبير والتخاطب بين البشر، مقرا بأن النحت في لبنان ذو مستوى راق ويشهد نهضة عظيمة لكنه يحتاج إلى الدعم والاهتمام الرسمي والتقدير الشعبي.
ما يميز فن بحمد أنه يوجه المنحوتة مع محافظة متقنة على قدسية الكتلة ومدلولاتها الجمالية المنسجمة، فالمنحوتات تحمل رسالة بسط من خلالها أسلوبا تشكيليا متكامل العناصر، أشرك فيه المتلقي برؤيته البعيدة المدى من دون أن يفرضها بتعسف أو غموض، حيث الفكرة تحمل الرمز والرمز يحمل الفكرة.
ويؤكد أن المتحف هو جزء من ثقافة الوطن، ويحث المؤسسات التربوية على توجيه النشء لزيارة المتاحف، مشددا على أن من لا تاريخ له لا مستقبل له أيضا، وفي الاهتمام بالتاريخ نؤمن ثروة للوطن وتبادلا ثقافيا دوليا ونهضة سياحية، إذ إن الدول التي تمتلك تاريخا هي دول حضارية.
ويختم بحمد معتبرا أن النحت هو لغة حوار أخرى، وأن الزمن هو النحات الأكبر في مرحلة الأزمات، فالحروب تمضي ووحدها فنون الشعوب الحرة هي التي تبقى.. وحده الفن والإبداع المنقوش في الذاكرة هو القادر على قهر الموت والتحليق عاليا في سماء الإنسانية.

أرشيف المدونة

المسجد النبوي الشريف - جولة إفتراضية ثلاثية الأبعاد

About This Blog


Labels