الجمعة، 27 سبتمبر 2013

أخبار اليوم : سلماوي يوجه رسالة غاضبة لمديرة منظمة الثقافة والعلوم والتربية

سلماوي يوجه رسالة غاضبة لمديرة منظمة الثقافة والعلوم والتربية

 الكاتب الصحفي محمد سلماوي
الكاتب الصحفي محمد سلماوي

محمود عبد الوهاب


وجه المتحدث الرسمي للجنة الخمسين المنوطة بتعديل الدستور، الكاتب الصحفي محمد سلماوي، رسالة صباح اليوم الخميس 26 سبتمبر، إلي المدير العام لمنظمة الثقافة والعلوم والتربية التابعة للأمم المتحدة إيرينا بوكوفا عبر مقال نشرته جريدة الشرق الأوسط، يعبر فيها عن غضبه من التعامل مع ملف متحف ملوي بالمنيا والذي سرقت منه 1050 قطعة عقب أحداث عنف بالمحافظة.

وهذا نص الرسالة :

السيدة/ إيرينا بوكوفا المدير العام لمنظمة الثقافة والعلوم والتربية التابعة للأمم المتحدة بعد التحية:
أكتب إليك من بلد ترتفع فيه الآن معاول الهدم السوداء، وألسنة اللهب الهوجاء، تحطم وتلتهم ما تطوله من تراث مصر الذي هو تراث إنساني، خسارته خسارة للإنسانية وليست لمصر وحدها.

أكتب إليك غاضبا رغم الود الذي كان عنوان اللقاءات القليلة التي جمعتنا منذ اختيارك لموقع المدير العام لليونيسكو عام 2009، ووقت كنت مندوبة لبلادك في المنظمة قبل ذلك.

أكتب إليك في صميم عملك، وعن مسؤولية منظمتك، ولا أكتب عن الدماء الزكية التي سفكت، ولا عن الأطراف الآدمية التي قطعت، ولا عن جثامين الضحايا التي تفحمت، فتلك كلها لا يبدو أن الغرب يكترث لها، إلا لو كانت لمن ينتمون لجحافل الإرهاب التي تعتدي الآن علي الشعب المصري، وعلي منشآته العامة والخاصة، وعلي تراثه العريق.

لقد قامت قوي الظلام الملتحفة زورا بالدين الإسلامي الحنيف بالاعتداء على المتاحف ودور العبادة والمباني المعمارية القديمة في البلد الحاضن والحافظ لآثار واحدة من أهم وأقدم حضارات الإنسان.

أكتب إليك لأني وسط ذلك كله لم أسمع كلمة احتجاج واحدة منك ولا من منظمتك الغراء، في الوقت التي تذرف بعض التماسيح عندكم دموعها على غياب الديمقراطية وعلى ضياع حقوق الإنسان، إن للثقافة أيضا حقوقا، يا سيدتي، تماما كالإنسان، وهي تهدر هنا أمام أعيننا في اليوم مرات ومرات، وأول حقوق الثقافة هو الحق في الوجود، ثم الحق في الحماية، والحق في الرعاية، والحق في أن تسلم هذه الثقافة وهذا التراث للأجيال القادمة التي رغم إرثنا لها من أجدادنا فإننا في الحقيقة إنما نستعيرها الآن من أبنائنا، إن هذه الحقوق جميعا قد أهدرت وانتهكت واعتدي عليها وأضرمت فيها النيران.

إن أحد تلك الاعتداءات الغاشمة كان على متحف ملوي بالمنيا والذي سرقت منه 1050 قطعة من أصل قطعه الـ1089، إلا أن اعتداء قوى الظلام على المتحف لم يكن بهدف السرقة مثلما يحدث في متاحفكم، فالقطع التي لم يتمكنوا من إخراجها من المتحف جرى تدميرها في أماكنها، والبعض منها لم يعد في حالة تسمح حتى بالترميم، ثم عادت تلك الأيدي السوداء الآثمة مساء نفس اليوم لتشعل النيران فيما تبقى من المتحف، ألا يعطيك هذا يا سيدتي فكرة واضحة عن جماعات الإرهاب التي كانت تحكمنا؟ والتي تطالبوننا اليوم بعد أن أسقطناها بأن نعيدها مرة أخرى لتشارك معنا في صياغة مستقبل هذا البلد العظيم؟ إنهم لا ينتمون لهذا الوطن ولا يعترفون بحضارته العريقة، بل يعدونها أصناما وأوثانا تستوجب الحرق والتحطيم ليعم ظلام فكرهم المتخلف المريض، وليس في هذا القول إقصاء، وإنما هو تنصيص لتصريحاتهم المتكررة في هذا الشأن.

إن بعض الآثار التي جرى سرقتها أو تحطيمها تعد من أهم آثار التاريخ المصري القديم، ومن بينها قطع نادرة تمثل ذلك التزاوج النادر الذي حدث بين الحضارتين المصرية واليونانية القديمة في العصر اليوناني الروماني، وهي تمثل كارثة إنسانية جسيمة، وينبغي أن تكون كذلك لك شخصيا يا سيدتي، ولمنظمتك الغراء التي تستمد وجودها من الدفاع عن هذا التراث وحمايته من دمار الزمن الذي ثبت أنه أكثر حنوا على الحجارة من يد الشر الآثمة.

وفي هذه اللحظة التي أكتب لك فيها تجري محاولات للاعتداء على متحف روميل بالعلمين في شمال البلاد ومتحف بهنسة في بني مزار بجنوبها، ويقفز عدد الكنائس التي جرى الاعتداء عليها إلى 60 كنيسة في مختلف أنحاء الجمهورية.

لقد جرى أيضا الاعتداء على العديد من المباني التاريخية التي تزخر بها بلادنا، والتي يجهلون قيمتها لأنهم لا يعرفون الفكر والثقافة والحضارة والفنون التي تتجسد في كل حجر من أحجار أي صرح معماري يحمل في »جيناته« هوية هذا البلد الفريد المتفرد.

إن مبنى محافظة الجيزة الذي أحرقوه ليس أثرا تراثيا، وهو ليس مسجلا لديك ضمن الآثار، لكني أذكر أنني في أول مرة دخلته ظللت أحصي وأنا جالس في مكتب المحافظ أسماء أكبر فناني القرن الـ19 العالميين الممضاة على اللوحات التي تزين جدرانه، وتلك التهمتها نيران أصدقائكم الذين تتبنون الآن قضيتهم الإرهابية الخاسرة، وقد كانت من بين تراثكم أنتم الذي نعتز به ونقتنيه.

وقد لا تعلمين يا سيدتي أن مبنى مجلس الوزراء يحمل هو الآخر جدارية تزين سقف قاعة اجتماعاته تحمل توقيع الفنان الفرنسي الشهير إيبوليت برتو Hippolyte Berteaux الذي رسم جدارية مبنى مجلس الشيوخ الفرنسي الذي لا يبعد كثيرا عن مقر عملك بالعاصمة الفرنسية.

هل تعلمين يا سيدتي - وكيف لا تعلمين وواجبك يقتضي أن تعلمي - أنه قد جرى الاعتداء أيضا على مكتبة الإسكندرية، وعلى مكتبة الجمعية الإنجيلية، وعلى مكتبة الصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل بما تحتويه من وثائق نادرة وكتب قيمة بعضها لا يعوض؟

لن أثقل عليك هنا بقائمة كاملة للجرائم التي ارتكبت في الأيام القليلة الماضية ضد تراثنا الحضاري العظيم، راجيا أن تطلبي من منظمتك الغراء أن تفعل ذلك، فهذا واجبها، لكني أقول لك إن تلك في الحقيقة جرائم ضد الإنسانية لأن فيها إبادة لهوية هذا الشعب التي تتمثل في تراثه الحضاري، وليس هناك من جريمة شنعاء ضد الإنسانية تقارب القضاء على هوية الإنسان.

لقد ظلت قوى الظلام تسعى طوال العام الماضي إلى طمس الهوية الثقافية لهذا الشعب، والتعدي عليها بالإهانة والاستهزاء تارة، وبالتحطيم والتدمير تارة أخرى، إلى أن انتفض المثقفون ليحرروا إحدى قلاع الثورة، وهي وزارة الثقافة، من الاحتلال الإخواني المستبد، ووقتها أيضا لم نسمع منك ولا من منظمتك الغراء، رغم أن المثقفين في ذلك إنما كانوا يقومون بالواجب الملقى على عاتق المنظمة في الدفاع عن التراث الثقافي.

إن الدفاع عن التراث الثقافي وحمايته لا يتأتى - كما علمتنا حضارتكم الغربية منذ عصر النهضة - إلا من خلال فصل الدين عن السياسة، فما بالكم تريدون لنا العودة للقرون الوسطى التي كان الحكم فيها للدين فكان تكفير الكنيسة للعلماء والمفكرين والفنانين، فهل النهضة حق من حقوق الغرب وحده وليست حقا للبلد الذي علم التاريخ أصول الحضارة والثقافة والفكر والفنون والآداب؟ لقد حمى هذا الشعب تراثه المتحفي من القوى الهمجية في يناير 2011، وهو قادر على أن يحميه في عام 2013 ليحفظ لهذا البلد هويته الإنسانية وليفتح الطريق أمام الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التي من أجلها قامت الثورة، وفي سبيلها بذلت الدماء وما زالت، فإذا مددتم لنا يد العون سنرحب بها، وإذا لم تفعلوا فلن نكترث، ولكن التاريخ سيفعل، فالتاريخ لا ينسى، والتاريخ لا يغفر.

ولك يا سيدتي كل الشكر.

أرشيف المدونة

المسجد النبوي الشريف - جولة إفتراضية ثلاثية الأبعاد

About This Blog


Labels