احتدام الجدل حول قيام المتاحف العالمية بتجميع الآثار
وسط مطالبات من عدد من الدول بقطع أثرية خرجت من بلادها بطرق غير مشروعة
السبـت 30 رمضـان 1433 هـ 18 اغسطس 2012 العدد 12317
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: يوميات الشرق
نيويورك: أندي كيندي
على مدار الأعوام الخمسة الماضية، ظل «متحف كليفلاند للفنون» يعمل على إنجاز واحد من أكبر برامج التشييد في المؤسسات الفنية في البلاد، حيث تم كشف النقاب عن المراحل الجديدة الأنيقة في هذا المشروع الذي تصل تكلفته إلى 350 مليون دولار، ومن المفترض أن يتم الانتهاء منه بحلول عام 2013، مما سيضيف 35.000 قدم مربع إضافية إلى مساحات العرض في المتحف. ظل المتحف أيضا يعمل، ولكن بطرق أقل وضوحا، على موضوع آخر، حيث من المتوقع أن يعلن يوم الاثنين عن اقتنائه لاثنتين من القطع الأثرية القديمة رفيعة المستوى، وهو ما سوف يتسبب بالتأكيد في تسليط المزيد من الضوء ليس فقط على أعمال التوسعة التي يقوم بها المتحف وإنما أيضا على الجدل المعقد والمحتدم منذ فترة طويلة حول قيام المتاحف بتجميع الآثار.
تغير عالم تجميع الآثار بصورة جذرية على مدار الأعوام القلية الماضية، عقب المعارك التي نشبت بين بعض المتاحف الأميركية، مثل «متحف متروبوليتان للفنون»، وبعض البلدان، مثل إيطاليا، التي طالبت باسترجاع بعض القطع الأثرية بعدما أكدت أن هذه القطع قد خرجت بصورة غير قانونية من أراضيها.
وفي عام 2008، اعتمدت «جمعية مديري المتاحف الفنية» المعايير التي قادت غالبية المتاحف الأعضاء فيها للتوقف عن تجميع القطع الأثرية التي لا تدخل بصورة واضحة ضمن المجموعات العامة أو الخاصة القانونية قبل عام 1970، وهو التاريخ المعترف به دوليا. أما القطع الأثرية التي ظهرت على السطح في ما بعد، فمن المحتمل بقوة أن تكون قد تمت سرقتها من المواقع الأثرية أو تم تصديرها بصورة غير قانونية. لكن هذه المبادئ التوجيهية تعطي المتاحف سلطة تقديرية في موضوع شراء القطع الأثرية.
تقول «جمعية مديري المتاحف الفنية»: «نظرا لأنه من الممكن ألا يكون تاريخ الملكية الحديث الكامل متاحا بالنسبة لبعض القطع الأثرية وكل الأعمال الفنية القديمة، يكون لأعضاء الجمعية الحق في ممارسة مسؤولياتهم المؤسسية عن طريق إصدار أحكام مستنيرة ومبررة حول مدى ملاءمة الاستحواذ على مثل هذه القطع الأثرية». وأضافت الجمعية «يجب على المتاحف تحقيق توازن دقيق بين الأضرار المالية وسوء السمعة المحتملة التي قد تلحق بها نتيجة قيامها بمثل هذه الخطوة، والمكاسب التي ستجنيها من وراء تجميع وعرض والمحافظة على مثل هذه الأعمال أمام الأجيال الحالية والمستقبلية».
وقام ديفيد فرانكلين، الذي تولى منصب مدير «متحف كليفلاند» في عام 2010، بتدشين عصر جديد من التوسعات في المتحف، لكنه تبنى أيضا واحدا من أكثر المواقف المؤيدة لتجمع القطع الأثرية من بين كل المتاحف الأميركية. ولذا، فعندما أتيحت له فرصتان نادرتان - عبارة عن تمثال مذهل من الرخام يرجع إلى زمن المسيح تقريبا ويعتقد أنه يخص دروسوس الأصغر ابن الإمبراطور الروماني تيبيريوس، وهو واحد من بين 30 قطعة أثرية فقط يعتقد أنها نجت من أيام العصور القديمة، فضلا عن وعاء اسطواني ينتمي إلى حضارة المايا مرسوم عليه مشهد من إحدى المعارك التي جرت بين عامي 600 و900 ميلاديا - لم يتردد أبدا في شرائهما.
وعلى الرغم من وجود صور تثبت وجود هذا الإناء في مدينة نيويورك في عام 1969، وأنه قد تم نشره كجزء من مجموعة مميزة من القطع الأثرية الموجودة في مدينة نيويورك في عام 1973، فإن أيا من القطعتين الأثريتين لا تمتلك سجلا مؤكدا يؤرخ لتاريخ ملكيتهما قبل عام 1970. أما الرأس الرخامي على وجه الخصوص، والذي قال عنه فرانكلين إن المتحف قد دفع «مبلغا ضخما من المال» من ميزانية الاستحواذ السنوية الخاصة بالمتحف في مقابل شرائه، فمن المتوقع أن يثير ضجة كبيرة، حيث تم بيعه في مزاد علني في عام 2004 في فرنسا، ولا يمتلك سجلا مكتوبا يوضح تاريخ ملكيته قبل عام 1970. لكن المتحف أكد أنه من الممكن تتبع تاريخ الرأس حتى أوائل القرن التاسع عشر، حيث إنه كان ملكا لإحدى العائلات الكبيرة في الجزائر العاصمة.
تم بيع الرأس الرخامي إلى المتحف عن طريق شركة «فينكس للفنون القديمة»، وهي إحدى أبرز الشركات التي تعمل في مجال الآثار في جنيف ونيويورك والتي تتعامل بصورة كبيرة مع العديد من المتاحف الكبرى. وفي عام 2004، اعترف أحد ملاك المتحف بارتكابه جنحة فيدرالية في مانهاتن تتمثل في تزوير مستندات الجمارك الخاصة بمنشأ أحد أوعية الشرب القديمة.
وفي العام نفسه، قام «متحف كليفلاند» بشراء منحوتة برونزية لأبوللو من شركة «فينكس للفنون القديمة»، والتي يعتقد البعض أن من قام بنحتها هو النحات الإغريقي القديم براكسيتيليس، لكن موضوع منشأ هذه المنحوتة البرونزية، والتي ستلعب دور البطولة في المعارض الجديدة التي سيفتتحها المتحف، هو أمر تحوم حوله الكثير من الشكوك منذ قيام المتحف بشرائها (ففي عام 2007، قام «متحف اللوفر» في باريس بسحب طلب استعارة التمثال لعرضه في المعارض الخاصة ببراكسيتيليس بعد ادعاء الحكومة اليونانية أن التمثال تحوم حوله الكثير من الشبهات وأنه ينتمي إلى إيطاليا).
يؤكد فرانكلين أنه يعتقد أن المعرض والمتحف يعرفان ما فيه الكفاية حول الرأس الرخامي والوعاء الذي ينتمي إلى حضارة المايا لكي يكونوا واثقين من أنهما لم يتم الاستحواذ عليهما بصورة غير قانونية. ويضيف فرانكلين «لقد قمنا بإجراء الفحص النافي للجهالة، ونشعر بأن كلتا القطعتين الأثريتين تمتلك سجلا كافيا لما قبل عام 1970».
ويذهب فرانكلين إلى أبعد من ذلك، حيث يؤكد أنه يريد أن يبعث برسالة إلى المتاحف الأخرى بأن تستمر في تجميع القطع الفنية الأثرية القيمة وفقا للظروف المناسبة. ويضيف فرانكلين «يتوجب على المتاحف الاستمرار في شراء القطع الأثرية، ولا ينبغي علينا التهرب من تلك المسؤولية، التي أعتقد أنها مسؤولية أخلاقية تماما. لا يجب علينا أن نترك هذه القطع الأثرية لتظل ضمن المجموعات الخاصة إلى الأبد، أو رؤيتها وهي ينتهي بها المطاف إلى خارج البلاد». (يذكر أن المعايير الجديدة لتجميع القطع الأثرية تجعل من الصعب على هواة جمع التحف بيع مثل هذه الأشياء أو التبرع بها للمتاحف، وهو الوضع الذي يؤدي إلى خلق فئة جديدة من القطع الأثرية المعزولة).
وفي الوقت الذي تعد فيه المبادئ التوجيهية لتجميع الآثار وسيلة جيدة لمحاولة الحد من عمليات التهريب وتجارة السوق السوداء، يقول فرانكلين إن المتاحف في حاجة أيضا للنظر بعناية في مدى تأثير هذه المبادئ على مواطن القوة فيها على المدى البعيد، مضيفا «إن أهم شيء يشغل بال القائمين على المتاحف هو الرغبة في شراء وعمل مجموعة كبيرة من القطع الأثرية، ولكن لا يجب أن يكون كل ما سيقومون به هو تتبع منشأ القطع الأثرية يوما بعد يوم، لأن هذا الأمر، على الرغم من أهميته، فإنه لا يعد عمليا، وبخاصة بالنسبة لصغار القائمين على المتاحف».
تدق مثل هذه الرؤية الخاصة بعمليات الاستحواذ على الآثار ناقوس الخطر بالنسبة لهؤلاء الأشخاص الذين يشعرون بأن استمرار المتاحف في تجميع الآثار لا يزال يشكل حافزا لاستمرار وجود السوق السوداء.
تقول جنيفر نيلز، أستاذة تاريخ الفن في جامعة كيس ويسترن ريسيرف بكليفلاند والتي عملت في وقت سابق في المتحف لمدة ست سنوات «يشبه شراء قطع أثرية لا تتمتع بسجلات قوية من تجار سيئي السمعة نهب موقع أثري وتدمير السجلات التاريخية». تضيف نيلز، وهي عالمة آثار لديها خبرة طويلة في اليونان وإيطاليا «على الرغم من أن هذه القطع الأثرية قد تبدو قوية من الناحية الجمالية، فإنها تحرم رواد المتاحف إلى الأبد من معرفة السياق التاريخي الخاص بها».
لم يكن «متحف كليفلاند» هو المتحف الوحيد الذي قرر استخدام تقديراته الخاصة للحصول على بعض الاستثناءات من المبادئ التوجيهية الخاصة بشراء الآثار. فعلى موقع الإنترنت الذي أنشأته «جمعية مديري المتاحف الفنية» لإدراج القطع الأثرية التي تم الاستحواذ عليها والتي لا تمتلك سجلا واضحا يعود إلى ما قبل عام 1970، قامت 13 مؤسسة، بخلاف «متحف كليفلاند»، بنشر صور وقصص تاريخية حول القطع التي استحوذت عليها. تضم القائمة 15 قطعة أثرية تم الاستحواذ عليها في الأعوام القليلة الماضية.
ومن بين هذه القطع، على سبيل المثال، هناك تمثال إغريقي من منتصف القرن الثاني حتى القرن الأول قبل الميلاد والذي كان هدية من أحد المتبرعين الذي قام بشرائه من شركة «فينكس للفنون القديمة» في عام 2001. من المعتقد أن هذا التمثال، والذي دخل ضمن مجموعة الآثار الخاصة بـ«متحف متروبوليتان للفنون» في عام 2010، كان من بين إحدى المجموعات الألمانية في أواخر سبعينات القرن الماضي، ولكن لا توجد أي تقارير تشير إلى وجوده حتى عام 2007.
يقول «متحف متروبوليتان للفنون» على موقعه على الإنترنت، مبررا سبب قبوله للتمثال كهدية «تعد مثل هذه التماثيل البرونزية بالحجم الطبيعي نادرة للغاية، خاصة تلك التي تتمتع بجودة هذه القطعة. يمثل هذا التمثال فئة مهمة من التماثيل الإغريقية الشرفية غير المتوافرة في المجموعات التي يمتلكها المتحف». وقال فرانكلين إن «متحف كليفلاند» سيقوم بنشر بعض الصور والمعلومات عن هذا الرأس الرخامي على الموقع الإلكتروني. وعند سؤاله عن المقتنيات الجديدة، أكد أنه يعتقد أن المتحف يسلك المسار السليم بالنسبة لمستقبله وللآثار على حد سواء. ويضيف فرانكلين «من مصلحة هذه القطع الأثرية ألا تتوارى في الظلام وأن يتم عرضها في النور». يقارن فرانكلين بين هذه القطع الأثرية والأطفال المولودين لأبوين منفصلين بقوله «يبدو أن هذه القطع هي الأخرى في حاجة إلى قانون للحقوق».
* خدمة «نيويورك تايمز» |
|