لماذا التخصص في علم الآثار؟
طورت الجامعة اللبنانية قسم علم الآثار ليتماشى مع متطلبات العالم حالياً، فأدخل المنهج الجديد علم المتاحف وصيانة المواقع وترميم القطع الأثرية، لكي يكون المتخرجون قادرين على تسلّم المواقع بحسب رغبتهم في الدراسات، أو العمل الميداني
قد يعتقد البعض بأن علماء الآثار هم أشخاص خرجوا من الحاضر ليذهبوا الى الماضي، باحثين عنه وفي يدهم فرشاة صغيرة. وقد يعدّ آخرون علماء الآثار بمثابة انديانا جونز، يكتشفون المومياوات ويدخلون القصور القديمة ليعثروا على كنوز بالأطنان، لكنّ النظريتيتن مخطئتان. فعلم الآثار، الذي بدأ منذ اكثر من قرن البحث عن القطع الجميلة لشعوب العالم القديم، تطور وتشعب كثيراً، وباتت اختصاصاته تحتاج الى كل تقنيات الحياة اليومية للكشف عن الماضي. الاختصاص في تحول وتطور دائمين، مما دفع بالجامعة اللبنانية عبر اتّباعها برنامج المواد المنفصلة (L.M.D) الى تطوير برنامجها التعليمي عبر إدخال مواد جديدة في الاختصاص. وتقول الدكتورة ندى كلاس، مديرة قسم الآثار في الجامعة اللبنانية الفرع الثاني، إن «المنهج التعليمي الجديد قريب جداً من البرامج المتبعة في فرنسا، فثلاث سنوات للحصول على شهادة الليسانس، ومن ثم سنتان للدراسات العليا. ولم تعد شهادة الليسانس تؤهل للتعليم المدرسي، بل الدراسات العليا. وذلك لأنه في سنوات التخصص يعطى الطلاب مادتين عن طرق تدريس التاريخ والجغرافيا في المدارس، وذلك لتأهيلهم لدخول القطاع التعليمي. ومن يكُن في الدراسات العليا يمكنه أن يختار بين الماجستير البحثي أو المهني، وذلك لأن العلم يشمل القطاعين. فبعض أهل الاختصاص يدرسون تفاصيل الحياة أو الفنون في الحضارات القديمة، فيما يفضل آخرون العمل في المتاحف او المواقع الأثرية. واستمرارية الاختصاص تحتاج إلى الاثنين، لذا كان من الضروري إعطاء الفرصتين». ولأن طرق التعليم الحديثة تتطلب انفتاحاً على الخارج، وعلى أسس التعليم والمناهج والنظريات الجديدة. تؤكد كلاس «أن ورش العمل والدورات التدريبية ستدخل من ضمن البرنامج السنوي للطلاب. وستؤمن الجامعة وصول خبراء عالميين الى لبنان، وإعطاء دورات تدريبية».
يمكن اختصار اختصاصات علم الآثار بثلاثة أساسية: علم الآثار الكلاسيكية، أي حضارات العالم القديم، بكل ما يعرف عنها من معابد ومقابر وقصور وبيوت، علم آثار فترات ما قبل التاريخ، أي التخصص بكل الحقب الزمنية التي سبقت نشأة الكتابة والتعرف الى طرق حياة الإنسان من حجارة الصوان والعظام، وهناك الآثار المغمورة بالمياه، أي اكتشاف كل ما هو في قاع البحار والبحيرات من بواخر أو مدن مغمورة.
هذا بالنسبة إلى القطاع العام لعلم الاثار، لكن بما أن اكتشاف الحضارات لا يجري إلا بعد دراسات القطع المكتشفة، فهناك تشعب واسع جداً في الاختصاصات في التحف الأثرية: من الكتابات القديمة الى الفخار والزجاج والمعادن والقطع النقدية والعظام الحيوانية والإنسانية وطرق الدفن. ولأن علم الآثار يشمل تاريخ الإنسانية منذ بدايتها، فعادةً ما يكون الاختصاص في حقبة زمنية وحضارة معينة تدرس القطع الأثرية الخاصة بها. باختصار، من يدخل ليدرس علم الآثار، فلن تكون لديه أيّ مشكلة في انتقاء الاختصاص أو الفترة الزمنية التي تعجبه، فـ700.000 سنة من التاريخ أمامه! وإن كان ذلك لا يفي بالغرض، يمكن التخصص في التنقيب عن القبور الجماعية عبر استخدام تقنيات الحفر على الآثار.
الاختصاص في الجامعة اللبنانية يجذب ليس فقط الطلاب اللبنانيين، بل أيضاً السوريين والأردنيين على حد سواء. والجميع يدركون أن مجالات العمل واسعة: فهناك الحفريات الأثرية، والمتاحف وإدارة المواقع، ودراسة القطع... هذا من دون دمج الآثار في التراث والعمل على تحديد مسارات سياحية جديدة وخطط إنمائية في المناطق تعتمد التاريخ والعادات.
طلب المتخصصين في علم الآثار الى تزايد في السنين المقبلة، وخاصة أن دول الخليج تريد أن تدخل على خارطة السياحة العالمية من باب المواقع الأثرية والمتاحف، وهي تبحث عن علماء آثار يتقنون العربية. الدخول الى قسم الآثار يفتح الباب واسعاً أمام تخصصات وحياة مليئة بالمفاجآت. فلا يوم يشبه آخر لأن ما يخبئه التاريخ لا يكشفه إلا الواقع.